ما روي عنه في قدحِ النارِ، وإنما هذا في الإبل [وروى اين نجيح عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قوله تعالى :﴿فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً﴾ قال في القتال وهو في الحج، قاله ابن مسعود هي الإبل تطأ الحصى فيخرج منه النار].
وأصل القدح : الاستخراج، ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسج، واقتدحت بالزَّند، واقتدحت المرق : غرفته.
ورَكيُّ قدوح : يغرف باليد.
والقديح : ما يبقى في أسفل القدر، فيغرف بجهد، والمقدحة : ما تقدح به النار.
والقداحة والقداح : الحجر الذي يُورِي النار.
يقال : وَرَى الزند - بالفتح - يري ورْياً : إذا خرجت ناره، وفيه لغة أخرى، ورِي الزند - بالكسر - يرى فيهما، وقد مضى في سورة " الواقعة ".
وقيل : هذه الآيات في الخيل، ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها، وبين عدوهم.
ويقال للحرب إذا التجمت : حَمِيَ الوطيس، ومنه قوله تعالى :﴿كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾ [المائدة : ٦٤].
قال ابن عباس : المراد بـ ﴿فَالمُورِيَاتِ قَدْحاً﴾ مكر الرجال في الحرب، وقاله مجاهد وزيد ين أسلم : والعربُ يقولون إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك، ثم لأورين لك.
وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل، لحاجتهم وطعامهم.
وعنه أيضاً أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً، ليظنها العدو كثيراً.
وقيل : هي أفكار الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها من إقامة الحججِ، وإقامةِ الدَّلائلِ، وإيضاح الحق، وإبطال الباطلِ.
قال القرطبي : هذه الأقوال مجاز، ومنه قولهم : فلان يُوري بها من إقامة الحججِ، وإقامة الدَّلائلِ، وإيضاح الحق، وإبطال الباطلِ.
قال القرطبي : هذه الأقوال مجاز، ومنه قولهم : فلان يُوري زناد الضلالة، والأول : الحقيقة، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النَّار بحوافرها.
قال مقاتل : العرب تسمى تلك النَّار نار أبي حُبَاحب، وكان أبو حباحب شيخاً من
٤٥٨
ضر في الجاهلية، من أبخل الناس، وكان لا يُوقد الخبز ولا غيره حتى تنام العيون، فيوقد نُويْرَة تقد مرة، وتخمد أخرى، فإن استيقظ لها أحد أطفأها، كراهية أن ينتفع بها أحدٌ، فشبهت هذه النار بناره ؛ لأنه لا ينتفع بها.
وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً فكذلك يسمونها.
قال النابغة :[الطويل] ٥٢٧٢ - ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ
بِهِنَّ فُلولٌ من قِرَاعِ الكَتائبِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٥٤
تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعفَ نَسْجهُ
وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُبَاحِبِ
قوله :﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً﴾ ظرف ؛ أي : التي تغير وقت الصبح، يقال : أغار يغير إغارة وغارةً : إذا باغت عدواً نهباً وقتلاً وأسراً ؛ قال :[البسيط] ٥٢٣٧ - فَليْتَ لِي بِهمُ قَوماً إذَا رَكِبُوا
شَنُّوا الإغَارَة فُرْسَاناً ورُكْبَانَا
وأغار وغار أيضاً : نزل الغور، وهو المنهبط من الأرض.
قوله :﴿فَأَثَرْنَ﴾.
عطف الفعل على الاسم، لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه صلى لـ " أل ".
قال الزمخشريُّ :" معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، يعني في الأصل ؛ إذ الأصل : واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن ".
قوله :﴿بِهِ﴾.
في الهاء أوجه : أحدها : أنه ضمير الصبح، أي : فأثرن في وقت الصبح غباراً.
وهذا حسن، لانه مذكور بالتصريح.
الثاني : أنه عائد على المكان، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأن الإشارة لا بد من مكان، والسياق والعقل لا يدلان عليه، وإذا علم بالمعنى جاز أن يكون عما لما يجري له ذكر بالصريح كقوله تعالى :﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص : ٣٢].
وفي عبارة الزمخشري :" وقيل : الضمير لمكان الغارةِ "، وهذا على تلك اللغيَّة وإلا فالفصيح أن تقول : الإغارة.
الثالث : أنه ضمير العدو الذي دل عليه " والعَادِيَاتِ ".
وقرأ العانة : بتخفيف الثاء، أثار كذا إذا نشره وفرقه من ارتفاع.
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة : بتشديدها.
٤٥٩
وخرجه الزمخشري على وجهين : الأول : بمعنى فأظهرن به غباراً ؛ لأن التأثير فيه معنى الإظهار.
الثاني : قلب " ثورن " إلى " وثَرْنَ "، وقلب الواو همزة انتهى.
يعني : الأصل " ثَوّرنَ " من ثور يثور - بالتشديد - عداه بالتضعيف كما يعدى بالهمزة في قولك : أثاره ثم قلب الكلمة بأن جعل العين وهي الواو موضع الفاء وهي الثاء، ووزنها حينئذ " عفلن " ثم قلب الواو همزة، فصار :" أثَرْنَ "، وهذا بعيد جداً، وعلى تقدير التسليم، فقلب الواو المفتوحة همزة لا ينقاس، إنما جاءت منه ألفاظ كـ " احد وأناة " والنقع : الغبار.
وأنشد :[البسيط] ٥٢٧٤ - يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتَطَارِ دَائمَةً
كَأنَّ آذَانهَا أطْرافُ أقْلامِ
وقال ابن رواحة :[الوافر] ٥٢٧٥ - عَدِمتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَروْهَا
تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنفَيْ كَدَاءِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٥٤