سورة التكاثر
مكية في قول الجميع، وروى البخاري أنها مدينة، وهي ثماني آيات.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٧٤
قوله تعالى :﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ﴾، " ألْهَاكُم " : شغلكم ؛ قال امرؤُ القيسِ :[الطويل] ٥٢٩٥ - …………….....................
فألْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْولِ
أي : شغلكم المباهاة، بكثرة المال والعدد عن طاعة الله، حتَّى متم ودفنتم في المقابر.
قال ابن عباس والحسن :" ألْهَاكُم " :: أنساكم، " التَّكاثرُ "، أي : من الأموال، والأولاد قاله ابن عباسٍ والحسنُ وقتادةُ أي : التَّفاخر بالقبائل والعشائر، وقال
٤٧٥
الضحاك : ألهاكم التشاغل بالمعاش والتجارة، يقال : لهيت عن كذا - بالكسر - ألهى لهياً، ولهياناً : إذا سلوت عنه، وتركت ذكره، وأضربت عنه، وألهاه : أي : شغله، ولهاه به تلهيه : أي : تملله والتكاثر : المكاثرة قال قتادةُ ومقاتل وغيرهما : نزلت في اليهود حين قالوا : نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتول ضلالاً.
وقال ابن زيد : نزلت في فخذ من الأنصار.
وقال ابن عباسٍ : ومقاتل، والكلبي : نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف، وبني سهم، تعادوا وتكاثروا بالسادة، والأشراف في الإسلام، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر عائذاً، فكثر بنو عبد مناف سهماً، ثم تكاثروا بالأموات، فكثرتهم سهم، فنزلت :﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ﴾ بأحيائكم فلم ترضوا " حتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ " مفتخرين بالأموات.
وعن عمرو بن دينار : حلف أن هذه السورة نزلت في التجار.
وعن شيبان عن قتادة، قال : نزلت في أهل الكتاب.
قال القرطبي :" والآية تعمّ جميع ما ذكر وغيره ".
وروى ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ قال :" لَوْ أنَّ لابْنِ آدَمَ وادِساً مِنْ ذَهَبٍ، لأحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وادِيانِ، ولنْ يَمْلأ فَاهُ إلاَّ التُّرابُ، ويتُوبُ اللهُ على مَنْ تَابَ "، رواه البخاري.
قال ثابت عن أنس عن أبيّ : كنا نرى هذا من القرآن، حتى نزلت :﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ﴾.
رواه البخاري.
قال ابن العربي : وهذا نصٌّ صريح، غاب عن أهل التفسير [فجهلوا وجهَّلوا، والحمد لله على المعرفة].
وقرأ ابن عباس :" ألهاكم " على استفهام التقرير والإنكار ونقل في هذا المد مع
٤٧٦
التسهيل، ونقل فيه بتحقيق الهمزتين من غير مد.
قوله تعالى :﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾، " حتَّى " غاية لقوله :" ألْهَاكُم "، وهو عطف عليه، والمعنى : أي أتاكم الموت، فصرتم في المقابر زواراً، ترجعون فيها كرجوع الزائر إلى منزلة من جنة أو نار.
وقيل :﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ﴾ حتى عددتم الأموات.
وقيل : هذا وعيد، أي : اشتغلتم بمفاخرة الدنيا حتى تزورا القبور، فتروا ما ينزل بكم من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - " و " المَقابِر " جمع مَقْبَرة، ومَقْبَرة بفتح الباء وضمها والقبور : جمع قبر، وسمي سعيد المقبري ؛ لأنه كان يسكن المقابر، وقبرت الميت أقبَره وأقبُره قبراً ؛ أي : دفنته، وأقبرته، أي : أمرت بأن يقبر.
فصل في معنى ألهاكم قال المفسرون : معنى الآية : ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت فأنتم على ذلك.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : شأن الزائران ينصرف قريباً، والأموات ملازمون القبور، فكيف يقال : إنه زار القبر ؟ وأيضاً : فقوله - جل ذكره - :﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ إخبار عن الماضي، فكيف يحمل على المستقبل ؟ فالجواب عن الأول : أنَّ سكان القبور، لا بد أن ينصرفوا منها.
وعن الثاني : أن المراد من كان مشرفاً على الموت لكبر أو لغيره كما يقال : إنه على شفير قبره وإما أن المراد من تقدمهم، كقوله تعالى :﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة : ٦١].
وقال أبو مسلم : إن الله يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييراً للكفار، وهم في ذلك الوقت تقدمت منهم زيارة القبور.
فصل في ذكر المقابر قال القرطبي : لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة.
وفيه نظر ؛ لأنه تعالى قال في سورة أخرى :﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس : ٢١].
واعلم أن زيارة القبور من أعظم الأدوية للقلب القاسي، لأنها تذكر الموت، والآخرة، وذلك يحمل على قصر الأمل، والزُّهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها.
٤٧٧