قال رسول الله ﷺ :" كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فزُوْرُوهَا، فإنَّها تُزْهِدُ في الدُّنيا، وتذكرُ الآخِرةَ ".
وروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ لعن زوّارات القبور.
قال بعض أهل العلم : كان هذا قبل ترخيصه في زيارة القبور، فلما رخص دخل في الرخصة الرجال والنساء.
وقال بعضهم : إنما كره زيارة القبور للنِّساء، لقلّة صبرهن، وكثرة جزعهن.
وقال بعضهم : زيارة القبور للرجال متفق عليه، وأما النِّساء فمختلف فيه : أما الشوابّ فحرام عليهن الخروج، وأما لقواعد فمباح لهن ذلك، وجاز لجميعهن ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال بغير خلاف لعدم خشية الفتنة.
فصل في آداب زيارة القبور ينبغي لمن زار القُبُور أن يتأدب بآدابها، ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظّه منها إلا التّطواف فقط، فإن هذه حالة يشاركه فيها البهائم، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، ونفع الميت بما يتلوه عنده من القرآن، والدعاء، ويتجنب المشي على القبور، والجلوس عليها، ويسلم إذا دخل المقابر، وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضاً، وأتاه من تلقاء وجهه ؛ لأنه في زيارته كمخاطبته حياً، ثم يعتبر بمن صار تحت التراب، وانقطع عن الأهل والأحباب، ويتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه أنه كيف انقطعت آمالهم، ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم، وتفرقت في القبور أجزاؤهم، وترمَّل من بعدهم نساؤهم، وشمل ذل اليتم أولادهم، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم، وأنَّ حاله كحالهم، ومآله كمآلهم.
[قوله تعالى :﴿كَلاَّ﴾ قال الفراء : أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر.
والتمام على هذا ﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي سوف تعلمون عاقبة هذا.
قوله تعالى :﴿ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ جعله ابن مالك من التوكيد مع توسّط حرف العطف].
٤٧٨
وقال الزمخشريُّ : والتكرير تأكيد للردع، والرد عليهم، و " ثُمَّ " دالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول، وأشد كما تقول للمنصوح : أقول لك ثم أقول لك :" لا تَفْعَلْ " انتهى.
ونقل عن علي - رضي الله عنه - :" كَلاَّ سَوْفَ تعلمُون " في الدنيا " ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلمُونَ " في الآخرة فعلى هذا يكون غير مكرر لحصول التَّغاير بينهما ؛ لأجل تغاير المتعلقين، و " ثُمَّ " على بابها من المهلة وحذف متعلق العلم في الأفعال الثلاثة، لأن الغرض الفعل لا متعلقه.
وقال الزمخشريُّ : والمعنى : سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله، انتهى.
فقدر له مفعولاً واحداً كأنه جعله بمعنى " عَرَفَ ".
فصل في تفسير الآية قال ابن عباس :" كَلاَّ سَوفَ تَعْلمُونَ " ما ينزل بكم من العذاب في القبور " ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلمُونَ " في الآخرة إذا حل بكم العذاب، فالتِّكرار للحالين.
وروى ور بن حبيش عن عليّ - رضي الله عنه - قال : كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت هذه السورة فأشار إلى أن قوله :﴿كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ يعني في القبور.
[وقيل : كلا سوف تعلمون إذا نزل بكم الموت، وجاءتكم رسل ربكم تنزع أرواحكم، ثم كلا سوف تعلمون في القيامة أنكم معذبون، وعلى هذا تضمنت أحوال القيامة من بعث، وحشر، وعرض، وسؤال، إلى غير ذلك من أهوال يوم القيامة].
وقال الضحاكُ :﴿كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ﴾ جواب " لَوْ " محذوف، أي : لفعلتم ما لا يوصف.
وقيل : التقدير : لرجعتم عن كفركم.
قال ابن الخطيب : وجواب " لَوْ " محذوف، وليس " لترونَّ " جوابها، لأن هذا مثبت، وجواب " لو " يكون منفياً، ولأنه عطف عليه قوله :" ثُمَّ لتُسْألُنَّ " وهو مستقبل، لا بد من وقوعه، وحذف جواب " لَوْ " كثير.
قال الأخفش : التقدير : لو تعلمُون علم اليقين ما ألهاكم.
٤٧٩


الصفحة التالية
Icon