فالتفت، وهو يدعو، فإذا هو بطير من ناحية " اليمن "، فقال : والله إنها لطير غريبة، ما هي بجندية ولا تهامية، وكان من كل طائر حجر في منقاره، وحجران في رجليه أكبر من العدسة، وأصغر من الحمصة.
قال الراوي : فأرسل عبد المطلب حلقة الكعبة ثم انطلق هو ومن معه من قريش إلى شعيب الجبال، فتحرَّزُوا فيها ينظرون ما يفعل أبرهة إذا دخل " مكة "، فأرسل الله عليهم طيراً من البحر [أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار فكان الحجر يقع] على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، فهلكوا في كل طريق، ومنهل.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه رأى من تلك الأحجار عند أم هانئ نحو قفيز مخططة بحمرة كالجزع الظفاري.
قال الراوي : وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون إلى الطَّريق التي منها جاءوا.
وروي ان أبرهة تساقطت أنامله، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانقلب هو ووزيره أبو يكسوم، وطائر يحلق فوقه حتى قدموا " صنعاء " وهو مثل فرخ الطائر.
وقيل : قدموا على النجاشي، فَقَصَّ عليه القصة فلما تممها وقع علي الحجر فخرَّ ميتاً بين يديه.

فصل في ميلاد النبي ﷺ حكى الماوردي أن النبي ﷺ قال :" وُلدتُ عَامَ الفِيْلِ ".


وقال في كتاب " أعلام النبوةِ " : ولد رسول الله ﷺ يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان بعد الفيل بخمسين يوماً، وافق من شهور الروم العشرين من أشباط، في السَّنة الثانية عشرة من ملك هرمز بن أنوشروان.
٤٩٨
قال : وحكى أبو جعفر الطبري : أن مولده ﷺ كان لاثنين وأربعين سنة من ملك أنوشروان.
وقيل : إنه - عليه السلام - حملت به أمه في يوم عاشوراء من المحرم حكاه ابن شاهين أبو حفص في فضائل يوم عاشوراء، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر رمضان، فكانت مدة الحمل ثمانية أشهر كملاً ويومين من التاسع.
وقال ابن العربي : قال ابن وهب عن مالكٍ : ولد رسول الله ﷺ عام الفيل [قال] قيس بن مخرمة : ولدت أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل.
وقال عبد الملك بن مروان لعتَّاب بن أسيد : أنت أكبر أم النبي ﷺ ؟ فقال : النبي ﷺ أكبر مني وأنا أسنّ منه، ولد النبي ﷺ عام الفيل، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس.
فصل في أن قصة الفيل من معجزات النبي ﷺ وإن كانت قبله، وقبل التحدي، لأنها كانت توكيداً لأمره، وتمهيداً لشأنه، ولما تلا عليهم رسول الله ﷺ هذه السورة كان بمكة عدد كثير ممن شهد تلك الواقعة، ولهذا قال :" الَمْ تَرَ " ولم يكن بـ " مكة " أحد إلاَّ وقد رأى قائد الفيل، وسائقه أعميين [يتكفكفان] الناس.
قالت عائشة - رضي الله عنها - مع حداثة سنّها :" لقَدْ رَأيتُ قَائِدَ لفِيْلِ وسَائقَهُ أعْميَيْنِ يَسْتطعِمَانِ النَّاسَ ".
قوله :﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾، أي : في إبطال، وتضييع ؛ لأنهم أرادوا أن يكيدوا قريشاً بالقتل، والسبي، والبيت بالتخريب، والهَدْم.
قالت المعتزلة : إضافة الكيد إليهم دليل على أنه - تعالى - لا يرضى بالقبيح، إذ لو رضي لأضافه إلى ذاته.
قوله :﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ﴾.
قال النحاة :" أبابيل " نعت لـ " طير " لأنه اسم جمع.
وأبابيل : قيل : لا واحد له، كأساطير وعناديد.
وقيل : واحده :" إبَّول " كـ " عِجُّول ".
وقيل :" إبَّال "، وقيل :" إبِّيل " مثل سكين.
وحكى الرقاشيّ :" أبابيل " جمع " إبَّالة " بالتشديد.
٤٩٩
وحكى الفرَّاء :" إبالة " مخففة.
فصل في لفظ " أبابيل " الأبابيل : الجماعات شيئاً بعد شيء ؛ قال :[الطويل] ٥٣٠٩ - طَريقٌ وجبَّارٌ رِوَاءٌ أصُولهُ
عَليْهِ أبَابيلٌ من الطَّيْرِ تَنعَبُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٩٦
وقال آخر :[البسيط] ٥٣١٠ - كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الأصواتِ رَاحِلَتِي
إذْ سَالتِ الأرضُ بالجُرْدِ الأبابيلِ


الصفحة التالية
Icon