قال أبو عبيدة : أبابيل : جماعات في تفرقة، يقال : جاءت الطير أبابيل من هاهنا، وهاهنا.
قال سعيد بن جبير : كانت طيراً من السَّماء لم ير مثلها.
" وروى الضحاك عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إنَّهَا طَيْرٌ بَينَ السَّماءِ والأرضِ تُعَشِّشُ وتُفرِّخُ ".
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - كان لها خراطيم كخراطيم الفيلة، وأكفّ كأكفّ الكلاب.
وقال عكرمة : كانت طيراً خضراً خرجت من البحر، لها رُءُوس كرءوس السِّباع، ولم تر قبل ذلك، ولا بعده.
وقالت عائشة - رضي الله عنها - : هي أشبه شيء بالخطاطيف.
[وقيل : إنها أشبه بالوطاويط].
وقيل : إنها العنقاء التي يضرب بها الأمثال.
قال النحاس : وهذه الأقوال متفقة المعنى، وحقيقة المعنى : أنها جماعات عظام، يقال : فلان يؤبل على فلان، أي : يعظم عيله ويكثر، وهو مشتقّ من الإبل.
قال ابن الخطيب : هذه الآية ردّ على الملحدين جدًّا، لأنهم ذكروا في الزَّلازل، والرياح والصواعق، والخسف، وسائر الأشياء التي عذب الله - تعالى - بها الأمم أعذاراً
٥٠٠
ضعيفة، أما هذه الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، وليس في شيء من الطَّبائع والحيل أن يعهد طير معها حجارة، فيقصد قوماً دون قوم فيقتلهم، ولا يمكن أن يقال : إنه كسائر الأحاديث الضعيفة ؛ لأنه لم يكن بين عام الفيل، ومبعث الرسول إلا نيفاً وأربعين سنة، ويوم تلا رسول الله ﷺ هذه الآية، كان قد بقي جمع شاهدوا تلك الواقعة، فلا يجري فيها تلك الأعذار، ولو كان النقل ضعيفاً لكذبوه، فعلمنا أنه لا سبيل للطَّعن فيها.
قوله :﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ﴾، " بِحجَارَةِ " صفة لـ " طير "، وقرأ العامة :" تَرْميهِمْ " بالتأنيث.
وأبو حنيفة، وابن يعمر، وعيسى، وطلحة : بالياء من أسفل، وهما واضحتان، لأن اسم الجمع يذكر ويؤنث.
ومن الثانية قوله :[البسيط] ٥٣١١ -............................
كالطَّيْرِ يَنْجُو مِنَ الشُّؤبُوبِ ذي البَردِ
وقيل : الضمير لربِّك، أي : يرميهم ربك بحجارة، و " مِنْ سِجِّيل " صفة لـ " حِجَارة " والسجيل، قال الجوهري : قالوا حجارة من طين، طبخت بنار جهنم، مكتوب فيهاى أسماء القوم، لقوله تعالى :﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ﴾ [الذاريات : ٣٣].
وقال عبد الرحمن بن أبزى :" مِنْ سجِّيلٍ " من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط.
وقيل : من الجحيم، وهي سِجِّين " ثم أبدلت اللام نُوناً، كما قالوا في أصيلان : أصيلال، قال ابن مقبلٍ :[البسيط] ٥٣١٢ -.........................................
ضَرْباً تَواصَتْ بِهِ الأبطالُ سِجِّنَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٩٦
إنما هو " سجيلاً ".
وقال الزجاج :" مِنْ سجِّيل "، أي : مما كتب عليهم أن يعذبوا به، مشتق من السجل وقد تقدم القول في السجيل في سورة " هود ".
٥٠١
قال عكرمة :[كانت ترميهم بحجارة معها]، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري لم ير قبل ذلك اليوم.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه : كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده، وكان ذلك أول الجدري.
قال يونس وأبو عبيدة : والسجيل عند العرب : الشديد الصلب.
قال بعض المفسرين : إنهما كلمتان بالفارسية جعلتهما العرب لكمة واحدة، وإنهما : سجّ وجيل : فالسجُّ : الحجر، والجيل : الطِّين، أي من هذين الجنسين : الحجر والطين.
قال أبو إسحاق : وحدثني يعقوب بن عتبة أنه قال : أول ما دامت الحصبة بأرض العرب ذلك وإنه أول ما رأى بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشار ذلك العام.
قوله :﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ﴾.
" كَعصْفٍ " هو المفعول الثاني للجعل، بمعنى التصيير، وفيه مبالغة حسنة، وهو أنه لم يكفهم أم جعلهم أهون شيء من الزَّرع، وهو ما لا يجدي طائلاً، حتى جعلهم رجيعاً.
والمعنى : جعل الله تعالى أصحاب الفيل كورق الزروع إذا أكله الدواب، فرمت به من أسفل قاله ابن زيد وغيره، والعصف جمع واحده عصفة وعصافة، وأدخل الكاف في " كعصف " للتشبيه مع مثل قوله تعالى :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى : ١١] ومعنى مأكول أن المراد به قشر البُرِّ يعني الغلاف الذي يكون كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة شبَّه تقطُّع أوصالهم بتفرُّق أجزائه، روي معناه عن ابن زيد، وغيره.
قال ابن إسحاق : لما رج الله الحبشة عن " مكة "، عظمت العرب قريشاً، وقالوا : أهل الله قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمةً من الله عليهم.
روى الثَّعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورَة ﴿الْفِيلِ﴾ عَافاهُ اللهُ تعَالى حياته مِنَ المسْخِ، والعَدُوِّ " والله أعلم.
٥٠٢
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٩٦


الصفحة التالية
Icon