سورة قريش
مكية في قول الجمهور، مدنية في قول الضحاك والكلبي، وهي أربع آيات، وسبع عشرة كلمة، وثلاث وسبعةن حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٠٢
قوله تعالى :﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾، في متعلق هذه الآية أوجه : أحدها : أنه ما في السورة قبلها من قوله تعالى :﴿كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ﴾.
قال الزمخشري " هذا بمنزلة التضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل.
وعن عمر أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب، وقرأ في الأولى :" والتِّينِ "، انتهى.
وإلى هذا ذهب الأخفش، إلا أن الحوفي قال : ورد هذا القول جماعة، بأنه لو كان كذا، لكان " لإيْلافِ " بعض سورة " ألَمْ تَرَ "، وفي إجماع الجميع على الفصل بينهما ما يدل على عدم ذلك.
الثاني : أنه مضمر تقديره : فعلنا ذلك، أي : إهلاك أصحاب الفيل ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾، أي : لتأليف قريش، أو لتنفق قريش، أو لكي تأمن قريش، فتؤلف رحلتيها.
وقيل : تقديره : اعجبوا.
الثالث : أنه قوله تعالى :﴿فَلْيَعْبُدُواْ﴾ لإيلافهم ؛ فإنها أظهر نعمة عليهم.
قاله الزمخشري ؛ وهو قول الخليل من قبله.
وقرأ ابن عامر :" لإلاف " دون ياء قبل اللام الثانية.
٥٠٣
والباقون :" لإيلاف " بياء قبلها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني، وهو " إيلافهم ".
ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين : أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطًّا، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها خطًّا، وهذا دليل على أن القراء يتبعون الأثر والرواية، لا مجرد الخط.
فأما قراءة ابن عامر ففيها وجهان : أحدهما : أنه مصدر لـ " ألف " ثلاثياً، يقال : ألف الرجل، إلفاً، وإلافاً، كتبته كتاباً، ويقال : ألفته إلفاً وإلافاً.
وقد جمع الشاعر بينهما في قوله :[الوافر] ٥٣١٣ - زَعمْتُمْ أنَّ إخْوتَكُمْ قُريْشٌ
لَهُمْ إلفٌ وليْسَ لَكُمْ إلافُ
والثاني : أنه مصدر لـ " آلف " رباعياً نحو قاتل قتالاً.
وقال الزمخشري : لمُؤالفةِ قريش.
وأما قراءة الباقين فمصدر آلف رباعياً بزنة " أكرم " يقال : آلفته، أولفه إيلافاً.
قال الشاعر :[الطويل] ٥٣١٤ - مِنَ المُؤلفَاتِ الرَّمْلَ أدمَاءُ حُرَّةٌ
شُعَاعُ الضُّحَى في مَتْنِهَا يتوضَّحُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٠٣
وقرأ عاصم في رواية :" إئلافهم " بهمزتين، الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، وهي شاذة ؛ لأنه يجب في مثله إبدال حرفاً مجانساً كـ " إيمان ".
وروي عنه أيضاً : بهمزتين مكسورتين، بعدهما ياء ساكنة.
وخرجت على أنه أشد منها، فقال :" بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة، بعدها همزة مكسورة ".
وهو بعيد، ووجهه : أنه أشبع الكسرة، فنشأت الياء، وقصد بذلك الفصل بين الهمزتين كالألف في " أأنْذَرتَهُمْ ".
وقرأ أبو جعفر :" لإلف قريش " بهمزة مكسورة، بزنة :" قِرْد "، وقد تقدم أنه مصدر لـ " ألف " كقوله :[الوافر] ٥٣١٥ -............................
لَهُمْ إلْفٌ وليْسَ لَكُمْ إلافُ
٥٠٤
وعنه أيضاً، وعن ابن كثير :" إلفهم "، وهي ساكنة اللام بغي ياء، وهي قراءة مجاهد وحميد.
وروت أسماء - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله يقرأ :" إلفهم "، وهو مروي أيضاً عن ابن عبَّاس وغيره.
وعنه أيضاً :" ليْلافهم " بياء ساكنة بعد اللام، وذلك أنه لما أبدل الثانية حذف الأولى على غير قياس.
وقرأ عكرمة :" ليألف قريش " فعلاً مضارعاً.
وعنه أيضاً :" لتألف قريش " على الأمر واللام مكسورة، وعنه فتحها مع الأمر وهي لغة.
فصل في اتصال السورة بما قبلها تقدم أن هذه السورة، متصلة بما قبلها في المعنى، أي : أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أو لتنفق قريش، أو لتأمن قريش فتؤلف رحلتيها.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنما كان الإهلاك لكفرهم.
قلنا : جزاء الكفور يكون يوم القيامة، يجزي كل نفس بما كسبت للأمرين معاً، ولكن لا تكون اللام لام العاقبة، أو يكون المعنى :" ألم تَرَ كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل ؛ لإيلاف قريش "، أي : كل ما تضمنته السورة " لإيلافهم "، أو تكون اللاَّم بمعنى " إلى "، أي : وجعلنا هذه النعم مضافاً إلى قريش.
وقال الكسائي والأخفش : اللام في ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾ لام التعجب.
أي اعجبوا لإيلاف قريش، نقله القرطبي.
قال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ؛ لأنه ذكر أهل " مكة " عظيم نعكته عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال - جلا وعلا - :﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾.
فعلنا باصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون : هم أهل بيت الله تعالى حتَّى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة فأهلكه الله تعالى، فذكرهم نعمته، أي : فجعل الله تعالى ذلك ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾ أي :
٥٠٥


الصفحة التالية
Icon