ليألفوا الخروج ولا يتجرأ عليهم، قاله مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير.
قال ابن عباس، في قوله تعالى :﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾ قال : نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، قال : كانوا يشتون بـ " مكة "، ويضيفون بـ " الطائف "، وعلى هذا القول يجوز الوقف على رءوس الآي، وإن لم يكن الكلام تاماً.
قال ابن الخطيب : والمشهور أنهما سورتان، ولا يلزم من التعلق الاتحاد ؛ لأن القرآن كسورة واحدة.
وقال الخليل : ليست متصلة، كأنه قال : ألف الله قريشاً إيلافاً، فليعبدوا ربَّ هذا البيت [واللام متعلقة بقوله تعالى : فليعبد هؤلاء رب هذا البيت، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتياز، ويحمل ما بعد الألف ألفاً على ما قبلها ؛ لأنها زائدة غير عاطفة كقولك : زيد فاضرب، وأما مصحف أبيّ فمعارض بإطباق على الفصل بينهما، وأما قراءة عمر - رضي الله عنه - فالإمام قد يقرأ سورتين].
قال ابن العربي : وليست المواقف التي ينتزع بها القراء شرعاً عن النبي ﷺ مروياً، وإنما أرادوا به تعليم الطلبة المعاني، فإذا علموها وقفوا [حيث شاءوا، فأما الوقف عند انقطاع النفس فلا خلاف فيه، ولا تعد ما قبله إذا اعتراك ذلك، ولكن ابدأ من حيث وقف بك نفسك، هذا رأيي فيه]، ولا دليل على ما قالوه بحالٍ، ولكني أعتمد الوقف على التَّمام، كراهية الخروج عنهم.
قال القرطبي :" وأجمع المسلمون أن الوقف عند قوله :" كَعصفٍ مأكُولٍ "، ليس بقبيح، وكيف يقال بقبحه، وهذه السورة تقرأ في الركعة الأولى، والتي بعدها في الركعة الثانية، ولا يمنع الوقف على إعجاز الآيات، سواء تمَّ الكلام أم لا ".

فصل في الكلام على قريش قريش : اسم القبيلة.


قي : هم ولد النضر بن كنانة، وكل من ولده النضر فهو قرشي، وهو الصحيح وقيل : هم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فمن لم يلده فهو ليس بقرشي، فوقع الوفاق على أن بني فهر قرشيون، وعلى أن كنانة ليسوا بقرشيين، ووقع الخلاف في النضر ومالك، ثم اختلف في اشتقاقه على أوجه :
٥٠٦
أحدها : أنه من التقرُّش، وهو التجمُّع، لاجتماعهم بعد تفرق، قال :[الطويل] ٥٣١٦ - أبُونَا قُصَيٌّ كَانَ يُدعَى مُجمِّعاً
بِهِ جَمَّعَ اللهُ القَبائلَ مِنْ فِهْرِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٠٣
والثاني : أنه من القرش : وهوالكسب، كانت قريش تجاراً، يقال : قرش يقرش : أي : اكتسب.
والثالث : أنه من التفتيش، يقال : قَرَشَ يقرش عني أي : فتش، وكانت قريش يفتشون على ذوي الخلاَّات، فيسدون خلَّتهم.
قال الشاعر :[الخفيف] ٥٣١٧ - أيُّهَا الشَّامِتُ المُقرِّشُ عَنَّا
عِنْدَ عَمْرٍو فَهلْ لهُ إبْقَاءُ
والرابع : أن معاوية سأل ابن عباس لم سميت قريش قُريشاً ؟.
فقال : لدابة في البحر يقال لها : القرش من أقوى دوابه، تأكل ولا تؤكل، وتعلثو ولا تُعْلَى.
وأنشد قول تبع :[الخفيف] ٥٣١٨ - وقُريشٌ هِيَ الَّتي تَسكنُ البَحْـ
ـرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُريشٌ قُرَيْشَا
تَأكُلُ الرثَّ والسَّمينَ ولا تَتْـ
ـرُكُ فِيهَا لِذِي جَناحَيْنِ رِيشَا
هَكَذا في البِلادِ حَيُّ قُريْشٍ
يأكُلونَ البِلادَ أكْلاً كَمِيشَا
ولهُمْ آخِرُ الزَّمانِ نبيٌّ
يُكْثرُ القَتْلَ فِيهمُ والخُمُوشَا
ثم قريش : إما أن يكون مصغراً تصغير ترخيم، فقيل : الأصل مقرش، وقيل : قارش، وإما أن يكون مصغراً من ثلاثي، نحو : القرش، وأجمعوا على صرفه هنا مراداً به الحي، ولو أريد به القبيلة لامتنع من الصَّرف ؛ كقوله :[الكامل] ٥٣١٩ - غَلَبَ المَسامِيحَ الولِيدُ سَماحَةً
وكَفَى قُريْشَ المُعضِلاتِ وسَادَهَا
قال سيبويه في معدّ، وقريش، وثقيف، وكينونة، هذه للأحياء أكثر، وإن جعلتها أسماء للقبائل، فهو جائز حسن.
٥٠٧
قوله :﴿إِيلاَفِهِمْ﴾ مؤكد للأول تأكيداً لفظيًّا، وأعربه أبو البقاء : بدلاً.
قوله :" رحلة مفعول به بالمصدر، والمصدر مضاف لفاعله، أي : لأن ألفوا رحلة، والأصل : رحلتي الشتاء والصيف، ولكنه أفرد لأمن اللبس ؛ كقوله :[الوافر] ٥٣٢٠ - كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكمُ تَعِفُّوا
..........................
قاله الزمخشريُّ.
وفيه نظر، لأن سيبويه يجعل هذا ضرورة، كقوله :[الطويل] ٥٣٢١ - حَمَامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي
........................


الصفحة التالية
Icon