وقال الحسن بن الفضل : هو تيسير القرآن، وتخفيف الشرائع.
وقال أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب هو كثرة الأصحاب والتباع والأمة.
وحكى الماورديُّ : أنه رفعة الذكر.
وقيل :[الشفاعة : وقال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقيل : الصلوات الخمس.
وقيل الفقه في الدين.
وقيل غير ذلك].
قال القرطبيُّ : وأصح الأقوال : الأول، والثاني ؛ لأنه ثابت عن النبي ﷺ نصًّا في الكوثر.
فصل في الكلام على هذه السورة قال ابنُ الخطيب : هذه السورة كالمقابلة للتي قبلها، فإنه ذكر في الأول البُخل، وترك الصلاة، والرياء، ومنع الماعون، وذكر هنا في مقابلة البخل :﴿إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ وفي مقابلة ترك الصلاة : قوله :" فَصلِّ " أي : دُمْ على الصلاة، وفي مقابلة الرياء قوله تعالى :﴿لِرَبِّكَ﴾ أي : لرضاه خالصاً، وفي مقابلة منع الماعون قوله :" وانْحَرْ "، أي : تصدَّق بلحم الأضاحي، ثم ختم السُّورة سبحانه وتعالى بقوله :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾، أي : أنَّ المنافق الذي أتى بتلك الأفعال القبيحة سَيمُوتُ ولا يبقى له أثر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، في الآخرة الثواب الجزيل.
قوله :﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾.
قال ابن عبًّاس - رضي الله عنهما - أقم الصلاة المفروضة عليك.
وقال قتادة، وعطاء، وعكرمة : فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، " وانْحَرْ " نسُككَ.
وقال أنس : كان النبي ﷺ ينحر، ثم يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر.
٥٢١
قال سعيد بن جبير : نزلت في " الحديبية " حين حصر النبي ﷺ عن البيت، فأمره الله تعالى، أن يصلي، وينحر البدن، وينصرف، ففعل ذلك.
قال ابن العربي :" أما من قال : إن المراد بقوله تعالى :﴿فَصَلِّ﴾ الصلوات الخمس، فلأنها رُكْن العبادات، وقاعدة الإسلام، وأعظم دعائم الدين.
وأما من قال : إنها صلاة الصبح بالمزدلفة، فلأنها مقرونة بالنحر، وهو في ذلك اليوم، ولا صلاة فيه قبل النحر غيرها، فخصها بالذكر من جملة الصلوات لاقترانها بالنحر ".
قال القرطبي : وأما من قال : إنها صلاة العيد، فذلك بغير " مكة "، إذ ليس بـ " مكة " صلاة عيد بإجماع، فيما حكاه أبو بكر رضي الله عنه.
فصل الفاء في قوله :" فصلِّ " للتعقيب والتسبب، أي : تسبب هذه المنة العظيمة وعقبها أمرك بالتخلي لعبادة المنعم عليك، وقصدك إيله بالنحر لا كما تفعل قريش من صلاتها، ونحرها لأضيافها، وأما قوله تعالى :﴿وَانْحَرْ﴾، قال علي - رضي الله عنه - ومحمد بن كعب القرظي : المعنى ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.
وعن علي - رضي الله عنه - أن يرفع يديه في التكبير إلى نحره، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : استقبل القبلة مكة بنحرك، وهو قول الفراء، والكلبي وأبي الأحوص.
قال الفراء : سمعت بعض العرب يقولك منازلنا تتناحر أي تتقابل نحر هذا بنحر هذا.
وقال ابن الأعرابي : هو انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب، من قولهم : منازلهم تتناحر، أي : تتقابل.
[وعن عطاء : أنه أمره أن يستوي بين السجدتين جالساً حتى يبدو نحره.
وقال محمد بن كعب القرظي : يقول : إن ناساً يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله - تعالى - فقد أعطيناك الكوثر، فلا تكن صلاتك ولا نحرك إلا لله تعالى.
والنَّحر في الإبل بمنزلة الذَّبح في البقر والغنم].
٥٢٢
قوله :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾.
يجوز أن يكون " هُوَ " مبتدأ و " الأبتر " خبره، والجملة خبر " إن "، وأن يكون فصلاً.
وقال أبو البقاء :" أو توكيد "، وهو غلط ؛ لأن المظهر لا يؤكد بالمضمر.
والأبترُ : الذي لا عقب له، وهو في الأصل : الشيء المقطوع، من بترهُ، أي : قطعه.
وحمار أبتر : لا ذنب له، ورجل أباتر - بضم الهمزة - : الذي يقطع رحمه.
قال :[الطويل] ٥٣٢٧ - لَئِيمٌ نَزتْ فِي أنْفهِ خُنزُوانَةٌ
عَلى قَطْعِ ذِي القُرْبَى أحَذُّ أباتِرُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥١٩