منصوب المحل بما بعدها، التقدير : أي شيء أغنى المال، وقدم لكونه له صدر الكلام.
وقوله :﴿وَمَا كَسَبَ﴾ : يجوز في " مَا " هذه أن تكون بمعنى " الَّذي "، والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي : وكسبه، وأن تكون استفهامية : بمعنى وأي شيء كسب ؛ أي : لم يكسب شيئاً، قاله أبو حيان، فجعل الاستفهام بمعنى النفي، فعل هذا يجوز أن تكون نافية، ويكون المعنى على ما ذكر، وهو غير ظاهر.
وقرأ ابن مسعود والأعمش :" وما اكتسبَ ".
فصل في معنى الآية المعنى : ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الجاه.
وقال مجاهد : وما كسب من مال، وولد الرجل من كسبه.
وقال أبو الطفيل : جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس - رضي الله عنه - فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع على الفراش، فغضب ابن عباس، وقال : أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ، يعني ولد أبي لهب.
وقال ﷺ :" إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ ".
وقال ابن عباس : لما أنذر رسول الله ﷺ عشيرته بالنَّار، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل :﴿مَآ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
قال الضحاك : ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله، وعمله الخبيث : يعني كيده، وعداوة رسول الله.
قوله :﴿سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾.
قرأ العامة :" سَيَصْلَى " بفتح الياْ، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي : يصلى هو بنفسه.
وقرأ أبو حيوة، وابن مقسم، وعياش في اختياره ؛ قال القرطبي : والأشهب العقليل، وأبو سمال العدوي، ومحمد بن السميفع، " سَيُصلَّى " بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ومعناه سيصليه الله.
٥٥٣
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، والأعمش، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير عن أبيّ - رضي الله عنه -، وحسين عن أبي بكر عن عاصمٍ : بضم الياء.
ومعنى ذات لهب أي ذات اشتعال وتلهب، وقد تقدم القول فيه في سورة المرسلات.
قوله :﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾.
قرأ العامة : بالرفع، على أنها جملة من مبتدأ وخبر، سيقت للإخبار بذلك.
قيل : وامرأته، عطف على الضمير في " سيصلى " سوغه الفصل بالمفعول، و " حمَّالة الحَطبِ " على هذا فيها أوجه : كونها نعتاً لـ " امرأته "، وجاز ذلك لأن إضافته حقيقة، إذ المراد المعنى، وكونها : بياناً أو بدلاً، لأنها أقرب من الجوامد لتمحض إضافتها، أو كونها خبراً لمبتدأ مضمر أي : هي حمالةُ.
وقرأ ابن عباس - رضي الله عنهما - : ومريئته حمالة الحطب.
وعنه أيضاً :" ومريته " على التصغير، إلا أنه أقر الهمزة تارة، وأبدلها ياء، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامة :" حَمَّالةُ " بالرفع، وعاصم : بالنصب على الشَّتم.
وقد أتى بجميل من سبّ أم جميل.
قال الزمخشري : وكانت تكنى أم جميل، لعنها الله.
وقيل : نصب على الحال من " امرأته " إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير.
ويضعف جعلها حالاً عند الجمهور من الضمير في الجار بعدها إذا جعلناها لـ " امْرَأتهُ " لتقدمها على العامل المعنوي، واستشكل بعضهم الحالية - لما تقدم - من أن المراد به المعنى، فتتعرف بالإضافة، فكيف يكون حالاً عند الجمهور ؟ ثم أجاب بأن المراد الاستقبال ؛ لأنه ورد أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا.
وفي قوله تعالى :﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ قولان : أحدهما : هو حقيقة.
٥٥٤
قال قتادة : كانت تعير النبي ﷺ بالفقر، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعيرت بالبخل.
وقال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل العِضَاهَ، والشَّوك، فتطرحه بالليل على طريق النبي ﷺ وأصحابه، فكان ﷺ يطؤه كما يطأ الحرير.
وقال مُرَّة الهمذاني : كانت أخم جميل - لعنها الله - تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
القول الثاني : أنه مجاز عن المشي بالنميمة، ورمي الفتن بين الناس ؛ قال :[الرجز] ٥٣٤٦ - إنَّ بَنِي الأدْرمِ حَمَّالُو الحطبْ
هُمْ الوشَاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٤٨
عليْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتَرَى والحَرَبْ
وقال آخر :[الطويل] ٥٣٤٧ - مِن البيضِ لَمْ تَصطَدْ عَلى ظَهْر لأمَةٍ
لمْ تَمْشِ بَينَ الحَيِّ بالحطَبِ الرَّطبِ