وجعله رطباً تنبيهاً على تدخينه، وهو غريب من ترشيح المجاز، يعني لم تمش بالنمام.
وقال سعيد بن جبيرٍ : حمالة الخطايا، والذنوب، من قولهم : فلان يحتطب ظهره.
قال تعالى :﴿يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنعام : ٣١.
] وقرأ أبو قلابة :" حاملة الحطب " على وزن " فاعلة "، وهي محتملة لقراءة العامة، وقرأ عياض :" حمالة للحطب " بالتنوين وجر المفعول بلام زائدة تقوية للعامل كقوله تعالى :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج : ١٦]، وأبو عمرو في وراية :" وامرأته " باختلاس الهاء دون إشباع.
٥٥٥
قوله :﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾ يجوز أن يكون " في جيدها " خبراً لـ " امرأته "، و " حبل " فاعلاً به وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة، و " حَبْلٌ " مرفوع به أيضاً، وأن يكون خبراً مقدماً و " حَبْلٌ " مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو خبر ثان.
والجيدُ : العُنُق.
قال امرؤ القيس :[الطويل] ٥٣٤٨ - وجِيدٍ كَجِيدِ الرَّئْمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ
إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ
و " مِنْ مسدٍ " صفة لـ " حبل "، والمسد : ليف المقل.
وقيل : الليف مطلقاً.
قال النابغة :[البسيط] ٥٣٤٩ - مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا
لَهُ صَريفٌ القَعْوِ بالمسَدِ
وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها ؛ قال الشاعر :[الرجز] ٥٣٥٠ - ومَسَدْ أمِرَّ مِنْ أيانِقِ
ليْسَ بأنْيَابٍ ولا حَقَائِقِ
وجمع المسد : أمساد.
وقال أبو عبيدة : هو حبل يكون من صوف.
وقال الحسن : هي حبال من شجرٍ ينبت بـ " اليمن " يسمى المسد وكانت تفتل.
فصل قال الضحاك وغيره : هذا في الدنيا، وكانت تعيرُ النبي ﷺ بالفقر، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ، فخنقها الله - عزَّ وجلَّ - به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار يلف على عنقها.
وعن ابن عباس : حبل من مسد قال : سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير، يدخل في فيها، ويخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة :" حبل من مسد " حبل من وَدَعٍ.
٥٥٦
وقال الحسن : إنما كان حرزاً في عنقها.
وقال سعيد بن المسيب : كانت قلادة واحدة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد ﷺ، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة.
وقيل : إن ذلك إشارة إلى الخذلان يعني أنها مربوطة عن إيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيدها بحبل من مسد.
والمسدُ : الفَتْلُ، يقال : مسد حبله يمسده مسداً، أي : أجاد فتلهُ.
قال :[الرجز]
٥٣٥١ يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٤٨
يقول : إن البقل يقوي ظهر الحمار.
وقال ابن الخطيب : وقيل : المسد يكون من الحديد، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد، أو من غيره، ورجل ممسود، أي : مجدول الخلق وجارية حسنة المسد، والعصب، والجدل، والأرم، وهي ممسودة، ومعصوبة، ومجدولة، ومأورمة ؛ والمساد : على " فِعَال " : لغة في المساب، وهي نحن السمن، وسقاء العسل، قال كل ذلك الجوهري.
[فإن قيل : إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار ؟ قلنا : كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار].
فصل في الإخبار عن الغيب أولها : الأخبار عنه بالتبات، والخسار، وقد كان ذلك.
وثانيها : الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده، وقد كان ذلك.
وثالثها : الإخبار بأنه من أهل النَّار، وقد كان ذلك، لأنه مات على الكر، هو وامرأته، ففي ذلك معجزة للنبي ﷺ فامرأته خنقها الله - تعالى - بحبلها، لعنها الله تعالى، وأبو لهبٍ رماه الله بالعدسةِ، بعد وقعة بدر بسبع ليال، فمات، وأقام ثلاثة أيام، ولم يدفن حتى أنتن، ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفاً من بعيد مخافة عدوى العدسةِ، وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى " مكة "، وأسندوه إلى جدار، ثم صمُّوا عليه الحجارة.
٥٥٧
فصل في جواز تكليف ما لا يطاق احتج أهل السنة على جواز تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان مع تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهو محال وذلك مذكور في أصول الفقه.
ذكر الثعلبيُّ عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ ﴿تَبَّتْ﴾ رجَوْتُ أنْ لا يجْمعَ اللهُ تَعَالَى بَينهُ وبَيْنَ أبِي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ ".
٥٥٨
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٤٨