أي : لظلمتها، ويجوز أن يكون أراد بـ " مَرِضَتْ " فَسَدَت، ثم بين جهة الفَسَادِ بالظُّلمةِ.
قوله :" فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ".
هذه جملة فعلية معطوفة على الجملة الاسمية قبلها، متسبّبة عنها، بمعنى أنَّ سبب الزِّيَادة حصول المرض في قلوبهم، إذ المراد بالمرض هنا الغِلّ والحسد لظهور دين الله تعالى.
و " زاد " يستعمل لازماً ومتعدياً لاثنين ثانيهما غير الأول كـ " أَعْطَى وكَسَا "، فيجوز حذف مفعوليه، وأحدهما اختصاراً واقتصاراً، تقول :" زاد المال " فهذا لازم، و " زدت زيداً أجراً " ومنه :﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف : ١٣]، ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ [البقرة : ١٠] و " ودت زيداً " ولا تذكر ما زدته، و " زدت مالاً " ولا تذكر من زدته.
وألف " زاد " منقلبة عن ياء ؛ لقولهم :" يزيد ".
وقرأ ابن عامر وحمزة :" فزادهم " بالإمالة.
وزاد حمزة " زاد " حيث وقع، و ﴿زَاغَ﴾ [النجم : ١٧] ﴿وَخَابَ﴾ [إبراهيم : ١٥]، و ﴿طَابَ﴾ [النساء : ٣]، و " حَاقَ " [الأنعام : ١٠]، والآخرون لا يميلونها.
فصل في أوجه ورود لفظ المرض ورد لفظ " المرض " على أربعة أوجه : الأول : الشّك كهذه الآية.
الثاني : الزِّنَا قال تعالى :﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب : ٣٢].
الثالث : الحَرَجُ قال تعالى :﴿أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَى أَن تَضَعُوا ااْ أَسْلِحَتَكُمْ﴾ [النساء : ١٠٢].
الرابع : المرض بعينه.
قوله :﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ نظيره قوله تعالى :﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ [البقرة : ٧] وقد تقدّم.
و " أليم " هنا بمعنى : مُؤْلِم، كقوله :[الوافر] ١٨٩ - ونَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلاَتِ
يَصُكُّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
ويجمع على " فُعَلاَء " كـ :" شريف وشرفاء "، و " أفْعَال " مثل :" شريف وأشراف "، ويجوز أن يكون " فعيل " : هُنَا للمُبَالغة محولاً من " فَعِل " بكسر العَيْنِ، وعلى هذا تكون
٣٤٢
نسبة الألم إلى العَذّابِ مجازاً، لأنّ الألم حلّ بمن وقع به العذاب لا بالعذاب، فهو نظير قولهم :" شِعْرٌ شَاعِر ".
و ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ متعلّق بالاستقرار المقدر في " لهم "، أي : استقر لهم عَذَابٌ أليم بسبب تكذيبهم.
و " ما " يجوز أن تكون مصدرية، أي : بكونهم يكذبون، وهذا على القول بأن لـ " كان " مصدراً، وهو الصحيح عند بعضهم للتصريح به في قول الشاعر :[الطويل] ١٩٠ - بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ في قوْمِهِ الفَتَى
وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
فقد صَرّح بالكون، ولا جائز أن يكون مصدر " كان " التَّامة لنصبه الخبر بعدها، وهو " إياه " على أنَّ للنظر في هذا البيت مجالاً ليس هذا موضعه.
وعلى القول بأن لها مصدراً لا يجوز التصريح به معها، لا تقول :" كان ويداً قائماً كوناً "، قالوا : لأن الخبر كالعوض من المصدر، ولا يجمع بين العوض والمُعَوَّض منه، وحينئذ فلا حَاجَةَ إلى ضمير عائد على " ما " ؛ لأنها حرف مصدري على الصحيح، خلافاً للأخفش وابن السَّراجِ في جعل المصدرية اسماً.
ويجوز أن تكون " ما " بمعنى " الذي "، وحينئذ فلا بُدّ من تقدير عائدٍ أي : بالذي كانوا يكذبونه، وجاز حَذْفُ العائد لاستكمال الشُّروط، وهو كونه منصوباً بفعل، وليس ثمَّ عائد آخر.
وزعم أبو البَقَاءِ أن كون " ما " موصولةً اسميةً هو الأظهر، قال : لأنّ الهاء المقدرة عائدة على " الَّذِي " لا على المصدر.
وهذا الَّذِي قاله غير لازم، إذ لقائل أن يقول : لا نسلّم أنه لا بُدَّ من هاءٍ مقدّرة حتى يلزم جعل " ما " اسمية، بل من قرأ ﴿يَكْذِبُونَ﴾ مخففاً فهو عنده يكذبون الرَّسول والقرآن، أو يكون المشدّد بمعنى المخفّف، وقرأ الكوفيون :﴿يَكْذِبُونَ﴾ بالفتح والتَّخفيف، والباقون بالضَّم والتشديد.
و " يكذّبون " مضارع " كذَّب " بالتشديد، وله معانٍ كثيرة : الرَّمي بكذا، ومنه الآية الكريمة والتعدية نحو :" فَرَّحْتُ زيداً ".
٣٤٣
والتكثير نحو :" قَطَّعْتُ الأثواب ".
والجعل على صفة نحو :" قَطَّرْتُه " أي : جعلته مقطراً ؛ ومنه :[السريع] ١٩١ - قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتَهَا
مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إِلاَّ أَنَا