والتسمية نحو :" فَسَّقْتُهُ " أي : سميته فاسقاً والدعاء له نحو :" سَقَّيْتُهُ " أي قلت له :" سَقَاكَ الله ".
أو الدعاء عليه نحو :" عَقَّرْتُه " أي قلت : عَقْراً لك.
والإقامة على الشي نحو : مَرَّضْتُه " والإزالة نحو :" قَذَّيْتُ عينه " أي : أزلت قَذَاها.
والتوجّه نحو :" شَرَّقَ وغَرَّبَ "، أي : توجّه نحو الشرق والغرب.
واختصار الحكاية نحو :" أمَّنَ " قال : آمين.
وموافقة " تَفَعَّلَ " و " فَعَلَ " مخففاً نحو : وَلَّى بمعنى تولّى، وقَدَّرَ بمعنى قَدَر، والإغناء عن " تَفَعَّلَ " و " فَعَلَ " مخففاً نحو " حَمَّرَ " أي تكلم بلغة " حمير "، قالوا :" مَنْ دخل ظَفَارِ حَمَّرَ وعَرَّدَ في القِتَال " هو بمعنى مخففاًن وغن لم يلفظ به.
و " الكذب " اختلف النَّاس فيه، فقائل : هو الإخبار عن الشيء بخير ما هو عليه ذهناً وخارجاً، وقيل : غير ما هو عليه في الخارج، سواء وافق في ما في الخارج أم لا، والصّدق نقيضه.
فصل في معنى الآية قال المفسرون :﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ ؛ لأن الآيات كانت تنزل آيةً بعد آيةٍ، كلما كفروا بآيةٍ ازدادوا كفراً ونفاقاً، وذلك معنى قوله :﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة : ١٢٥] والسورة لم تفعل ذلك، ولكنهم ازدادوا رجساً عند نزولها حين كفروا بها قبل ذلك، وهو كقوله تعالى :﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِى إِلاَّ فِرَاراً﴾ [نوح : ٦] والدعاء لم يفعل شيئاً من هذا، ولكنهم ازدادوا فراراً عنده، وقال :﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ [فاطر : ٤٢].
قالت المعتزلة : لو كان المراد من المرض - هاهنا - الكفر والجَهْل لكان قوله :
٣٤٥
﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ محمولاً على الكُفْرِ والجَهْلِ، فيلزم أن يكون الله - تعالى - فاعلاً للكفر والجهل.
قالت المعتزلة : ولا يجوز أن يكون الله - تعالى - فاعلاً للكفر والجَهْلِ لوجوه : أحدها : أنّ الكفار كانوا في غَايَة الحرص على الطَّعن في القرآن، فلو كان المعنى ذلك لقالوا لمحمد ﷺ : إذا فعل الله الكفر فينا، فكيف تأمران بالإيمان ؟ وثانيها : أنه - تعالى - ذكر هذه الآيات في معرض الذَّم لهم على كُفْرِهِمْ، فكيف يذمّهم على شيء خلقه الله فيهم.
وثالثها : قوله :﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فإن كان الله خلق ذلك فيهم كما خلق لونهم وطولهم، فأيّ ذنب لهم حتَّى يعذبهم ؟ ورابعها : أنه - تعالى - أضافه إليهم بقوله :﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ وبأنهم يفسدون في الأرض، وأنهم هم السّفهاء، وأنهم إذا خلوا إلى شَيَاطِينهم قالوا : إنا معكم، وإذا ثبت هذا فلا بُدّ من التأويل، وهو ن وجوه : الأول : يحمل المرض على الغَمّ، لأنه يقال : مرض قلبي من أمر كذا، والمعنى : أن المنافقين مرضت قلوبهم لما رأوا إثبات أمر النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام -، واستعلاء شأنه يوماً فيوماً، وذلك يؤدي إلى زوال رياستهم، كما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - مَرَّ بعبد الله بن أُبّيِّ على حِمَارٍ، فقال له : نَحّ حمارك يا مُحَمّد فقد آذانا رِيحُهُ، فقال له بعض الأنصار، اعْذُرْهُ يا رسول الله، فإنه كان مؤملاً أن نُتَوِجَهُ الرياسة قبل أن تقدم علينا، فهؤلاء لمَّا اشتدَّ عليهم الغَمّ وصفهم الله بذلك فقال :﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ أي : زادهم غمَّاً على غَمِّهِمْ.
وثانيها : المراد من زيادة المرض زيادة منع الألطاف فيكون بسبب ذلك المَنْع خاذلاً لهم.
الثالث : أنَّ العرب تصف فتور النَّظر بالمرض يقولون : جاريةٌ مريضةُ الطرف.
قال جرير :[البسيط] ١٩٢ - إِنَّ العُيُونَ الَّتِي في طَرْفِهَا
مَرَضٌ قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلاَنَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥
فكذا المرض هاهنا إنما هو الفتور في النِّية ؛ لأن قلوبهم كانت قويً على المُحَاربة، والمُنَازعة، والمخاصمة، ثم انكسرت شوكتهم، فأخذوا في النِّفَاق بسبب ذلك الخوف، والانكسار، فقال تعالى :﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ أي : زادهم الانْكِسَارَ والجُبْنَ والضعف، وحقق الله ذلك بقوله :﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب : ٢٦] الرابع : أن يحمل المرض على أَلَم القلب ؛ لأنَّ المُبْتَلَى بالحَسَدِ والنِّفَاقِ، ومشاهدة ما يكره ربما صار ذلك سبباً لتغيير مِزَاجَهَ، وتألُّم قلبه، وحَمْلُ اللَّفْظِ على هذا الوَجْهِ حَمْلٌ له على حقيقته، فكان أولى.
وقوله :﴿وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ صريح أن كذبهم علّة للعذاب الأليم، وذلك يقتضي أن يكون كل كذب حراماً.
فأما ما يروى عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أنه كذب ثلاث كذبات، فالمراد التعريض، ولكن لما كانت صورته الكذب سمي بذلك.
والمراج بكذبهم قولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر، وهم غير مؤمنين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٣٥


الصفحة التالية
Icon