جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
أي : متحكِّمُونَ بالبصيرةٍ في طعنِ الكُلَى ".
والثاني : أنهى بمعنى لام العلَّة والأوَّل أولى لأنَّ المجازَ في الحرفِ ضعيفٌ.
و " ما " في قوله :" عَلَى مَا هَدَاكُمْ " فيها وجهان : أظهرهُما : أنها مصدرية، أي : على هدايته إيَّاكم.
والثاني : أنَّها بمعنى " الذي " قال أبو حيان " وَفِيهِ بَعْدٌ مِنْ وَجْهَيْن : أحدهما : حذفُ العائد، تقديرُه، هَدَاكُمُوهُ، وقدَّره منصوباً، لا مجروراً باللام، ولا بـ " إِلَى " لأنَّ حذفَ المنصوبِ أسهلُ.
والثاني : حذفُ مضافٍ يصحُّ به معنى الكلامِ على إتْباعِ الذي هَدَاكُم أو ما أشبَهَهُ ".
: وخُتِمَت هذه الآية الكريمة بترجِّي الشُّكر، لأنَّ قبلها تيسيراً وترخيصاً، فناسب خَتمَها بذلك، وخُتمت الآيتان قبلها بترجِّي التقوى، وهو قوله تعالى :﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة : ١٧٩] وقوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة : ١٧٨] لأنَّ القصاصَ والصومَ من أشقِّ التكاليف، فناسب خَتْمَها بذلك، وهذا أسلوبٌ مطَّردٌ، حيث وَرَدَ ترخيصٌ عقَّبَ بترجِّي الشكر غالباً، وحيث جاء عَدَمُ ترخيصٍ عَقَّب بترجِّي التقوى وشبهها، وهذا من محاسن عِلْم البيان والله أعلم.
فصل في المراد بالتكبير في الآية في المراد بهذا التكبير قولان : أحدهما : المراد منه التَّكبير لَيلَةَ الفطر.
قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - حقٌّ على المسلمين، إذا رأوا هلالَ شَوَّالِ أنْ يكبِّروا.
قال مالكٌ والشَّافعي - رحمه الله - وأحمد وإسحاقُ وأبو يُوسفُ ومحمَّد : سُنَّ التكبيرُ في لَيْلَتي العيدين.
وقال أبو حنيفة : يكرَهُ في غداة الفِطر.
واحتجَّ الأوَّلُون بقوله تعالى :﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [قالوا :
٢٩١
معناه] ولتكملوا عدَّة صوم رمضان، ولتكبّروا الله على ما هداكم إلى أجر الطَّاعة.
واختلفُوا في أي العيدين أوكدُ في التَّكبير ؟ فقال الشَّافعيُّ في " القديم " : ليلة النَّحرِ أوكد ؛ لإجماع السَّلف عليها، وقال في " الجديد " ليلةُ الفطر أوكَدُ ؛ لورود النصِّ فيها، وقال مالكٌ : لا يكَبَّر في ليلة الفطرِ، ولكنه يكَبَّر في يومه، وهو مرويٌّ عن أحمد.
وقال إسحاق : إذا غدا على المُصَلَّى.
واستدَلَّ الشافعيُّ بقوله تعالى :﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ تدلُّ على أن الأمر بهذا التَّكبير وقع معلَّلاً بحصول الهداية، وهي إنما حصلت بعد غُرُوب الشَّمس ؛ فلزم التَّكبير من ذلك الوقت، واختلفُوا في انقضاء وقتِهِ، فقيل : يمتدُّ إلى تحريم الإحرام بالصَّلاة.
وقيل : إلى خروج الإمام.
وقيل : إلى انصراف الإمام، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا أتى المصلَّى ترك التَّكبير.
القول الثاني في المراد بهذا التَّكبير : هو العظيم للَّه تعالى ؛ شكراً على توفيقه لهذا الطَّاعة.
قال القرطبي :" عَلَى مَا هَدَاكُمْ " قيل : لما ضَلَّ فيه النصارَى من تبديل صيامهم.
وقيل : بدلاً عمَّا كانت الجاهليَّة تفعله بالتَّفَاخُر بالآباء، والتَّظاهر بالأحساب، وتعديد المناقب.
وقيل : لتعظّموه على ما أرشدكُم إليه من الشَّرَائع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
في اتصال هذه الآية بما قبلَها وجوه : أحدها : أنَّه لما قال بعد إيجاب شهر رمضان وتبيين أحكامه :{وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا
٢٩٢