ويجمعان على " أَحْوال ".
ويجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة، و " حوله " صفتها، وإن كان لازماً، فالفاعل ضمير " النار " أيضاً، و " ما " زائدى، و " حوله " منصوب على الظرف العامل فيه " أضاء ".
وأجاز الزمخشري أن تكون " ما " فاعلة موصولة، أو نكرة موصولة، وأُنِّثَ الفعل على المعنى، والتقدير : فلما أضاءت الجهةُ التي حوله أو جهةٌ حوله.
وأجاز أبو البقاء فيها أيضاً أن تكون منصوبة على الظرف، وهي حينئذ : إما بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، والتقدير : فلما أضاءت النَّار المكان الذي حوله، أو مكاناً حوله، فإنه قال : يقال : ضاءت النّار، وأضاءت بمعنى، فعلى هذا تكون " ما " ظرفاً.
وفي " ما " ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون بمعنى الذي.
والثاني : هي نكرة موصوفة، أي : مكاناً حوله.
والثالث : هي زائدة.
وفي عبارته بعض مُنَاقشته، فإنه بعد حكمه على " ما " بأنها ظرفية كيف يُجَوِّزُ فيها - والحالة هذه - أن تكون زائدة، وإنما أراد في " ما " هذه من حيث الجملة ثلاثة أوجه.
وقول الشاعر :[الطويل] ٢٣٢ - أَضَاءَتٍ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ
دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى نَظَّمَ الجَزْعَ ثَاقِبُهْ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٠
يحتمل التعدّي واللزوم كالآية الكريمة.
وقرأ ابن السَّمَيْفع :" ضاءت " ثلاثياً.
قوله :" ذهب الله بنورهم " هذه الجملة الظاهر أنها جواب لـ " ما ".
وقال الزمخشري :" جوابها محذوف، تقديره : فلما أضاءت خَمَدَتْ " وجعل هذا أبلغ من ذكر الجواب، وجعل جملة قوله :﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ مستأنفة أو بدلاً من جملة التمثيل.
وقد رد عليه بعضهم هذا بوجهين : أحدهما : أن هذا التقدير مع وجود ما يغني عنه، فلا حاجة إليه ؛ إذ التقديرات إنما تكون عند الضَّرورات.
٣٧٦
والثَّاني : أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
و " بنورهم " متعلّق بـ " ذهب "، والباء فيه للتَّعدية وهي مُرادفة للهمزة في التَّعدية، هذا مذهب الجمهور.
وزعم أبو العباس أنَّ بينهما فرقاً، وهو أن الباء يلزم معها مُصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك الفِعْلِ الذي فبله، والهزة لا يلزم فيها ذلك.
فإذا قلت :" ذهبت بزيد " فلا بُدَّ أن تكون قد صاحبته في الذِّهَاب فذهبت معه.
وإذا قلت : أذهبته جاز أن يكون قد صحبته وألاَّ يكون.
وقد رد الجمهور على المُبَرّد بهذه الآية ؛ لأن مصاحبته - تعالى - لهم في الذهاب مستحيلة.
ولكن قد أجاب [أبو الحسن] ابن عُصْفور عن هذا بأنه يجوز أن يكون - تعالى - قد أسند إلى نفسه ذهاباً يليق به، كما أسند إلى نفسه - تعالى - المجيء والإتيان على معنى يليق به، وإنما يُرَد عليه بقول الشاعر :[الطويل].
٢٣٣ - دِيارُ الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنَى
تَحُلُّ بِنَا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَكائِبِ
أي : تجعلنا جلالاً بعد أن كُنَّا مُحْرِمِين بالحج، ولم تكن هي مُحْرِمَة حتى تصاحبهم في الحِلِّ ؛ وكذا قول امرئ القيس :[الطويل] ٢٣٤ - كُمِيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ
كَمَا زَلَّتِ الصَّفْواءُ بِالمُتَنَزِّلِ
" الصفواء " الصخرة، وهي لم تصاحب الذي تزله.
والضمير في " بنورهم " عائد على مَعْنَى الذي كما تقدم.
وقال بعضهم : هو عائد على مُضاف محذوف وتقديره : كمثل أصحاب الذي استوقد، واحتاج هذا القائل إلى هذا التقدير، قال : حتى يتطابق المشبه والمشبه به ؛ لأنّ المشبه جمع، فلو لم يقدر هذا المُضاف، وهو " أصحاب " لزم أن يشبه الجمع بالمفرد وهو الذي استوقد.
ولا أدري ما الذي حمل هذا القائل على مَنْعِ تشبيه الجمع بالمفرد في صفة جامعة بينهما، وأيضاً فإنَّ المشبّه والمشبه به إنما هو القصّتان، فلم يقع التشبيه إلاَّ بين قصَّتين إحداهما مُضافة إلى جمع، والأخرى إلى مُفْرد.
٣٧٧
قوله :﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ ههذه جملة معطوفة.
فإن قيل : لم قيل : ذهب بنورهم، ولم يقل : أذهب الله نورهم ؟ فالجواب : أن معنى أذهبه : أزاله، وجعله ذاهباَ، ومعنى ذهب به : إذا أخذه، ومضى به معه، ومنه : ذهب السُّلطان بماله : أخذه، قال تعالى :﴿فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ﴾ [يوسف : ١٥] فالمعنى : أخذ الله نوره، وأمسكه، فهو أبلغ من الإذهاب، وقرأ اليماني :" أَذْهَبَ اللهُ نُورَهُمْ ".
فإن قيل : هلاّ قيل : ذهب الله بضوئهم [لقوله :﴿فَلَمَّآ أَضَاءَتْ﴾ ؟ الجواب : ذكر النور أبلغ ؛ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة.
] فلو قيل : ذهب الله بضوئهم لأوهم ذهاب [الكمال، وبقاء] ما يسمى نوراً والغرض إزالة النُّور عنهم بالكلية، أَلا ترى كيف ذكر عقبيه :﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ والظلمة عبارة عن عدم النور.
وقوله :[ ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ ] هذه جملة معطوفة على قوله :" ذهب الله "، وأصل الترك : التخلية، ويراد به التّصيير، فيتعدّى لاثنين على الصَّحيح ؛ كقول الشَّاعر :[البسيط] ٢٣٥ - أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ