وتنكير " صيب " يدلّ على نوع زائد من المطر شديد هائلٍ كما نكرت " النَّار " في التمثيل الأول.
وقرئ " كصائب "، والصَّيب أبلغ.
واختلف في وزن " صَيِّب ".
فقد ذهب البصرون أنه " فَيَعِل "، والأصل : صَيْوِب أدغم كـ " مَيّت " و " هَيّن "، والأصل : مَيوت وهَيْوِن.
وقال بعض الكوفيين : وزنه " فَعِيل " والأصل : صَوِيب بزنة طويل.
قال النحاس : وهذا خطأ ؛ لأنه كان ينبغي أن يصح ولا يُعَلّ كطويل، وكذا أبو البقاء.
وقيل وزنه :" فَعْيَل " فقلب وأُدغم.
واعلم أنه إذا قيل بأن الجملة من قوله :﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة : ١٧] استئنافية، ومن قوله :﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [البقرة : ١٨] إنها من وصف المنافقين كانتا جملتي اعتراض بين المتعاطفين، أعني قوله :" كَمَثَل " و " كَصَيِّبٍ " وهي مسألة خلاف منعها الفارسي ورد عليه بقول الشاعر :[الوافر] ٢٤٥ - لَعَمْرِكَ والخُطُوبُ مُغَيِّراتٌ
وَفِي طُولِ المُعَاشَرَةِ التَّقَالِي
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٤
لَقَدْ بَالَيْتُ مَظْعَنَ أُمٌّ أَوْفَى
وَلَكِنْ أُمُّ أَوْفَى لا تُبَالِي
ففصل بين القسم، وهو " لعمرك " وبين جوابه، وهو " لَقَدْ بَالَيْتُ " بجملتين إحداهما :" والخطوب متغيرات ".
والثانية :" وفي طول المُعَاشرة التَّقالي ".
و " من السماء " يحتمل وجهين : أحدهما : أن يتعلّق بـ " صيب " ؛ لأنه يعمل عمل الفعل، والتقدير : كمطر يَصُوب من السماء، و " مِنْ " لابتداء الغاية.
والثَّاني : أن يكون في محلّ جر صفة لـ " صيب "، فيتعلّق بمحذوف، وتكون " من " للتبغيض، ولا بُدّ حينئذ من حذف مضاف تقديره : كصيّب كائن من أمطار السَّماءِ.
والسماء : هذه المطلّة، وهي في الأصل كل ما عَلاَكَ من سَقْفٍ ونحوه، مشتقة من السُّمو، وهو الإرتفاع، والأصل : سَمَاو، وإنما قُلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة وهو بدل مُطّرد، نحو :" كساء ورداء "، بخلاف " سقاية وشقاوة " لعدم تطرف حرف العلّة، ولذلك لما دخلت عليها تاء التأنيث صحَّت ؛ نحو :" سماوة ".
قال الشاعر :[الرجز]
٣٨٨
٢٤٦ - طَيِّ اللَّيالِي زُلُفاً فَزُلَفَا
سَمَاوَةَ الهِلاَلِ حَتَّى احْقَوْقَفَا
والسماء مؤنث قال تعالى :﴿إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ﴾ [الانفطار : ١] وقد تذكَّر ؛ قال تعالى :﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل : ١٨] ؛ وأنشد :[الوافر].
٢٤٧ - وَلَوْ رَفَعَ السَّمَاءَ إلَيْهِ قَوْماً
لَحِقْنَا بَالسَّمَاءِ مَعَ السَّحَابِ
فأعاد الضَّمير من قوله :" إلَيْهِ " على " السَّمَاءِ " مذكَّراً، ويجمع على " سَمَاوَاتٍ "، وأَسْمِيَة، وَسُمِيّ "، والأصل " فعول "، إلا أنه أعلّ إعلال " عِصِيّ " بقلب الواوين ياءين، وهو قلب مطّرد في الجمع، ويقلّ في المفرد نحو : عتا - عُتِيًّا، كما شذّ التصحيح في الجمع قالوا :" إنكم لتنظرون في نُحُوٍّ كثيرةٍ "، وجمع أيضاً على " سماء "، ولكن مفرده " سَمَاوة "، فيكون من باب تَمْرَةٍ وتضمْرٍ، ويدلّ على ذلك قوله :[الطويل] ٢٤٨ -....................
...........
فَوْقَ سَبْعِ سَمَائِيَا
ووجه الدّلالة أنه مُيِّزَ به " سَبْع " ولا تُمَيِّزُ هي وأخواتها إلاّ بجمع مجرور.
وفي قوله :" من السَّمَاءِ " ردّ على من قال : إن المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأَرْض إلى الهواء، فتنعقد هناك من شدّة برد الهواء، ثم ينزل مرة أخرى، فذاك هو المطر ؛ فأبطل الله هذا المذهب بأن بَيّن أن الصِّيب نزل من السَّمَاء، وقال :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً﴾ [الفرقان : ٤٨].
وقال :﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ [النور : ٤٣].
قوله :﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ [البقرة : ١٩] يحتمل أربعة أوجه : أحدها : أن يكون صفة لـ " صَيّب ".
٣٨٩