الثاني : أن يكون حالاً منه، وإن كان نكرة لتخصصه، إما بالعمل في الجار بعده، أو بصفة بالجار بعده.
الثالث : أن يكون حالاً من الضمير المُسْتَكِنّ في " من السماء " إذا قيل : إنه صفة لـ " صَيّب "، فيتعلق في التقادير الثلاثة بمحذوف، إلاّ أنه على القول الأوّل في محلّ جر لكونه صفة لمجرور، وعلى القولين الأخيرين في مَحَلّ نَصْب على الحال.
و " ظلمات " على جميع هذه الأقوال فاعل به ؛ لأنَّ الجار والمجرور والظرف متى اعتمدا على موصوف، أو ذي حالٍ، أو ذي خبر، أو على نَفْي، أو استفهام عملاً عمل الفعل، والأخفش يُعْمِلُهُمَا مطلقاً كالوصف، وسيأتي تحرير ذلك.
الرابع : أن يكون خبراً مقدماً، و " ظلمات " مبتدأ، والجملة تحتمل وجهين : الأول : الجر على أنها صفة لـ " صيب ".
والثاني : النَّصْب على الحال، وصاحب الحال يحتمل أن يكون " كصيب "، وإن كان نكرة لتخصيصه بما تقدّمه، وأن يكون الضَّمير المستكن في " من السَّماء " إذا جعل وصفاً لـ " صيّب "، والضمير في " فيه " ضمير " الصيب "، واعلم أن جعل الجار صفة أو حالاً، ورفع " ظلمات " على الفاعلية به أَرْجَحُ من جعل ﴿فِيهِ ظُلُمَاتٌ﴾ جملة برأسها في محلّ صفة أو حال ؛ لأنّ الجار أقرب إلى المفرد من الجملة، وأصل الصفة والحال أن يكونا مفردين.
و " رَعْدٌ وبَرْقٌ " : معطوفان على " ظلمات " بالاعتبارين المتقدّمين، وهما في الأصْل مصدران تقول : رَعَدَتِ السماء تَرْعَدُ رَعْداَ، وبَرَقَتْ بَرْقاً.
قال أبو البقاء : وهما على ذلك مُوَحَّدَتَانَ هنا يعني على المصدرية ويجوز أن يكونا بمعنى الرَّاعد والبارق، نحو : رجل عَدْل.
والظاهر أنهما في الآية ليس المُرَاد بهما المصدر، بل جعلا اسماً [للهز واللمعان].
والبرق : اللَّمَعَان، وهو مقصود الآية، ولا حاجة حينئذ إلى جعلهما بمعنى اسم فَاعِلٍ.
وقال علي وابن عباس - رضي الله عنهما - وأكثر المفسرين : الرعد : اسم ملك يسوق السَّحاب، والبرق : لَمَعَانُ سَوْط] من نور يزجر به المكل السحاب.
وقيل : الرعد صوت انضغاط السّحاب.
وقيل : تسبيح الملك، والبرق ضحكه.
وقال مجاهد : الرعد اسم الملك ؛ ويقال لصوته أيضاً : رعد، والبرق اسم ملك يسوق السحاب.
وقال شهر بن حَوشَبٍ : الرعد ملك يُزْجِي السحاب، فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النَّار فهي الصواعق.
٣٩٠
وقيل : الرعد صوت انحراق الريح بين السحاب.
فإن قيل : لم جمع " الظّلمات "، وأفرد " الرعد والبرق " ؟ فالجواب : أن في " ظلمات " اجتمع أنواع منها، كأنه قيل : فيه ظلمات داجيةٌ، ورعد قاصف، وبرق خاطف.
﴿يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ﴾، وهذه الجملة الظاهر أنها لا محلّ لها لاستئنافها كأنه قيل : ما حالهم ؟ فقيل : يجعلون.
وقيل : بل لها محلّ، ثم اختلف فيه فقيل : جرّ ؛ لأنها صفة للمجرور، أي : أصحاب صيب جاعلين، والضمير محذوف.
أو نابت الألف واللام منابه، تقديره : يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق منه أو من صواعقه.
وقيل : محلُّها نصب على الحال من الضمير في " فيه ".
والكلام في العائد كما تقدّم، والجَعْل - هنا - بمعنى الالتقاء، ويكون بمعنى الخَلْق، فيتعدّى لواحد، ويكون بمعنى " صَيَّرَ " أو " سمى "، فيتعدى لاثنين، ويكون للشروع، فيعمل عمل " عسى ".
و " أَصَابِعهُمْ " جمع إصبع، وفيها عشر لُغَات : بتثليث الهمزة مع تثليت البَاءِ، والعاشرة " أصبوع " بضم الهمزة.
والواو في " يَجْعَلُون " تعود لِلْمُضَاف المحذوف، كما تقدم إيضاحه.
واعلم أنه إذا حذف المضاف جاز فيه اعتباران : أحدهما : أن يلتفت إليه.
والثاني : ألا يلتفت إليه، وقد جمع الأمران في قوله تعالى :﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ [الأعراف : ٤]، والتقدير : وكم من أهل قرية فلم يراعه في قوله :﴿أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا﴾ [الأعراف : ٤]، ورعاه في قوله تعالى :﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ [الأعراف : ٤] وذكر الأصابع، وإن كان المجهول إنما هو رؤوس الأصابع تسمية للبعض باسم الكُلّ كما في قوله تعالى :﴿فَاقْطَعُوا ااْ أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة : ٣٨]، و ﴿فِى آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ﴾ كلاهما متعلّق بالجعل، و " من " معناها التعليل.
و " الصَّوّاعق " : جمع صاعقة، وهي الضَّجَّة الشديدة من صوت الرعد تكون معها القطعة من النار.
ويقال :" ساعقة " بالسّين، و " صاعقة "، و " صاقعة " بتقديم القاف ؛ وأنشد :[الطويل]
٣٩١
٢٤٩ - أَلَمْ تَرَ أَنَّ المُجْرِمِين أصَابَهُمْ
صَوَاقِعُ لاَ بَلْ هُنَّ فَوقَ الصَّواقِعِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٤
ومثله قول الآخر :[الرجز] ٢٥٠ - يَحْكُونَ بِالمَصْقُولَةِ القَوَاطِعِ
تَشَقُّقَ اليَدَيْنِ بِالصَّوَاقِعِ


الصفحة التالية
Icon