أبو حيان " إِلاَّ أَنَّ مَنْ مَنَعَ أَنْ تَقعَ " أَنْ " وصلتُها حالاً، كسيبويه ؛ فإنه يمنعُ ذلك، ويكونُ حينئذٍ منقطعاً ".
وقرأ الحسن " يَعْفُونَهُ " بهاء مضمومةٍ وفيها وجهان : أحدهما : أنها ضميرٌ يعودُ على النِّصف، والأصلُ : إِلاّض أَنْ يَعْفُونَ عَنْهُ، فحُذِف حرفُ الجَرِّ، فاتصل الضميرُ بالفعلِ.
والثاني : أنها هاءُ السكتِ والاستراحةِ، وإنما ضَمَّها ؛ تشبيهاً بهاءِ الضميرِ، كقول الآخر [الطويل] ١١٤٤ - هُمُ الفَاعِلُونَ الخَيْرَ والآمِرُونَهُ
..........................
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٦
على أحدِ التأويلين في البَيت أيضاً.
وقرأ ابن أبي إسحاق :" تَعْفُونَ " بتاءِ الخطابِ، ووجهها الالتفاتُ من ضميرِ الغَيبة إلى الخطابِ، وفائدةُ هذا الالتفاتِ التحضيضُ على عَفْوِهنَّ، وأنه مندوبٌ.
و " يَعْفُونَ " منصوبٌ بـ " أَنْ " تقديراً ؛ فإنَّه مبنيٌّ ؛ لاتصاله بنونِ الإِناثِ، هذا رأيُ الجمهور، وأمَّا ابن درستويه، والسُّهَيْليُّ : فإنه عندهما معربٌ، وقد فَرَّق الزمخشريُّ وأبو البقاء بين قولك :" الرِّجَالُ يَعْفُونَ " و " النِّسَاءُ يَعْفُونَ " وإنْ كان [هذا] من الواضحاتِ بأنَّ قولك " الرِّجَالُ يَعْفُونَ " الواو فيه ضميرُ جماعة الذكور، وحُذف قبلها واوٌ أخرى هي لام الكلمة، فإن الأصل :" يَعْفُوونَ "، فاسْتُقْقلت الضمةُ على الواوِ الأولى، فحُذِفت، فبقيت ساكنةً، وبعدها واو الضمير أيضاً ساكنةٌ، فحُذِفت الواو الأولى ؛ لئلاَّ يلتقي ساكنان، فوزنهُ " يَعْفُونَ "، والنونُ علامة الرفع ؛ فإنه من الأمثلةِ الخمسةِ - وأَنَّ قولك :" النِّسَاءُ يَعْفُونَ "، الواوُ لامُ الفعل، والنون ضميرُ جماعةِ الإِناثِ، والفعل معها مبنيٌّ، لا يظهرُ للعامِل فيه أَثَرٌ قال شهاب الدين : وقد ناقش الشيخ الزمخشريُّ بأنَّ هذا من الواضحات التي بأدنى قراءة في هذا العلم تُعْرَفُ، وبأنه لم يبيِّنْ حذف الواو من قولك :" الرِّجَالُ يَعْفُونَ "، وأنه لم يذكُرْ خلافاً في بناء المضارع المتَّصلِ بنون الإناث، وكُلُّ هذا سهلٌ لا ينبغي أن يُناقَشَ بمثله.
وقوله تعالى :﴿أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي﴾ " أَوْ " هنا فيها وجهان : أحدهما : هي للتنويع.
والثاني : أنها للتخيير، والمشهورُ فتحُ الواو ؛ عطفاً على المنصوبِ قبله، وقرأ
٢١٩
الحسن بسكونها واستثقل الفتحة على الواو، فقدَّرها كما يقدِّرها في الألف، وسائرُ العرب على استخفافها، ولا يجوز تقديرها إلا في ضرورةٍ ؛ كقوله - هو عامر بن الطُّفَيل - [الطويل] ١١٤٥ - فَمَا سَوَّدَتْني عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ
أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوْ بَأُمِّ وَلاَ أَبِ
ولمَّا سكَّن الواوَ، حُذِفَت للساكن بعدها، وهو اللامُ من " الَّذِي "، وقال ابنُ عطية " والذي عندي أنه استثقل الفتحةَ على واو متطرِّفةٍ قبلها متحرِّكٌ ؛ لقلِّةِ مجيئها في كلامهم " وقال الخليل :" لم يجئ في الكلام واوٌ مفتوحةٌ متطرفةٌ قبلها فتحةٌ إلا قولهم " عَفْوَة " جمع عَفْو "، وهو ولدُ الحِمَارِ، وكذلك الحركة - ما كانت - قبل الواو المفتوحةِ فإنَّها ثقيلةٌ " انتهى.
قال أبو حيَّان : فقوله :" لقلَّةِ مجيئها "، يعني مفتوحةً، مفتوحاً ما قبلَها، وهذا الذي ذكره فيه تفصيلٌ، وذلك أنَّ الحركةَ قبلها : إمَّا أَنْ تكونَ ضمةً، أو كسرةً، أو فتحةً، فإنْ كانَتْ ضمَّةً : فإمَّا أَنْ يكونَ ذلك في اسم أو فعلٍ، فإنْ كان في فعلٍ، فهو كثيرٌ، وذلك جميعُ أمثلةِ المضارع الداخلِ عليها حرف نصبٍ ؛ نحو :" لَنْ يَغْزُوَ "، والذي لحِقَه نونُ التوكيد منها ؛ نحو " هلَ يَغْزُوَنَّ "، وكذلك الأمر ؛ نحو :" اغْزُوَنَّ "، وكذا الماضي على " فَعُلَ " في التعجب ؛ نحو : سَرُوَ الرَّجُل ؛ حتى إن ذوات الياء تُرَدُّ إلى الواو في التعجُّب، فيقولون :" لَقَضُوَ الرَّجُلُ "، على ما قُرِّرَ في بابِ التصريف، وإنْ كان ذلك في اسم : فإمَّا أن يكونَ مبنيّاً على هاءِ التأنيث، فيكثر أيضاً ؛ نحو : عَرْقُوة وتَرْقُوة وقمحدوة، وإنْ كان قبلها فتحة، فهو قليل ؛ كما ذكر الخليل، وإن كان قبلها كسرةٌ، قُلِبت الواوُ ياءً ؛ نحو : الغازي والغازية، وشَذَّ من ذلك " أَفْرِوَة " جمع " فَرِوَة "، وهي مَيْلَغَةُ الكَلْب، و " سَوَاسِوَة " وهم : المستوون في الشَّرِّ، و " مَقَاتِوَة " جمع مُقْتَو، وهو السائسُ الخادِمُ، وتَلَخَّصَ من هذا أنَّ المراد بالقليل واوٌ مفتوحةٌ متطرِّفة مفْتُوحٌ ما قبلها [في] اسمٍ غير ملتبسٍ بتاءِ التأنيثِ، فليس قولُ ابن عطية " والَّذي عندي إلَى آخره " بظاهر.
والمرادُ بقوله :﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ قيل : الزوجُ، وقيلَ : الولِيُّ و " أل " في النكاح للعهدِ، وقيل بدلٌ من الإِضافةِ، أي : نكاحُه ؛ كقوله :[الطويل] ١١٤٦ - لَهُمْ شِيمَةٌ لَمْ يُعْطِهَا اللهُ غَيْرَهُمْ
مِنَ الجُودِ، وَالأَحْلاُمُ غَيْرُ عَوَازِبِ


الصفحة التالية
Icon