جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٦
أي : أحلامُهم، وهذا رأيُ الكوفيِّين.
وقال بعضهم : في الكلامِ حذفٌ، تقديره :
٢٢٠
بيده حِلُّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ ؛ كما قيل ذلك في قوله :﴿وَلاَ تَعْزِمُوا ااْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ [البقرة : ٢٣٥]، أي عَقْدَ عُقْدَةِ النكاح، وهذا يؤيِّد أنَّ المرادَ الزَّوْجُ.
فصل فيمن بيده عقدة النكاح المراد بقوله :" يَعفُونَ " أي : المطلقاتُ يعفُون عن أزواجهنَّ، فلا يطالبنهم بنصفِ المهرِ.
واختلفوا في ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وسعيدُ بن جُبير، والشعبي، وشُرَيحٌ، ومجاهدٌ، وقتادة : هو الزَّوج، وبه قال أبو حنيفة.
وقال علقمةُ، وعطاءُ، والحسنُ، والزهريُّ، وربيعةُ : هو الولي، وبه قال أصحابُ الشَّافعيِّ.
واحتج الأَوَّلون بوجوهٍ : الأول : أنَّه ليس للولِيّ أَنْ يهب مهرَ وليَّته، صغيرةً كانت، أو كبيرةً.
الثاني : أنَّ الَّذي بيد الولِيّ هو عقدُ النكاحِ، فإذا عقد، فقد حصل النكاحُ، والعقدةُ الحاصلةُ بعد العقدِ في يدِ الزَّوج، لا في يدِ الولي.
الثالث : روي عن جُبير بن مطعم : أَنَّهُ تزوج امرأةً وطلَّقها قبل أن يدخل بها، فأكمل الصداق، وقال : أنا أحَقُّ بالعفوِ، وهذا يدل على أنّ الصحابةَ فهموا من الآية العفو الصادر من الزوج.
واحتج القائِلون بأنّه الوَلِيُّ بوجوهٍ.
أحدها : أن عفو الزوج هو أن يعطيها المهرَ كُلَّهُ، وذلك يكون هبةً، والهبةُ لا تُسمَّى عفواً.
وأُجيبوا بأنه كان الغالب عندهم، أَنْ يسوق المهرَ كُلَّه إليها، عند التزوج، فإذا طلّق، فقد استحقَّ المُطَالبة بنصفِ ما ساقَهُ إليها، فإذا ترك المطالبة، فقد عفا عنها.
٢٢١
وأيضاً، فالعفو قد يُراد به التسهيلُ، يقال : فلانٌ وجد المالَ عفواً صَفْواً، وقد تقدَّم وجهه في تفسير قوله تعالى :﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة : ١٧٨] فعلى هذا عفو الرجل : أَنْ يبعث إليها كُلَّ الصداقِ على وجهِ السهُولةِ.
الثاني : أَنَّ ذكر الزَّوج، قد تقدَّم في قوله تعالى :﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ فلو كان المرادُ بـ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ هو الزوج، لقال : أَوْ تَعْفُو على سبيل المخاطبةِ فلمَّا عبّر عنه بلفظ الغائب، علِمْنا الغائب، علِمْنا أَنَّ المرادَ منه غيرُ الأَزواج.
وأجيبوا بأَنَّ سبب العُدُولِ عن الخطاب إلى الغيبة ؛ التنبيه على المعنى الذي لأجله رغب الزوج في العقد، والمعنى : أَوْ يَعْفُو الزوج الذي حبسها مالك عقد نكاحها عن الأزواج، ولم يكن منها سبب في الفراق وَإِنَّما فارقها الزوج، فلا جرم كان حقيقاً بأَلاَّ ينقصها من مهرِها شيئاً.
الثالث : أَنَّ الزوج ليس بيده عَقْدُ عُقْدة النكاح أَلْبَةَّةَ ؛ لأنه قبل النكاح كان أَجْنبيّاً عن المرأة، ولا قُدْرة له على التصرف فيها بوجهٍ من الوجوهِ، وأمَّا بعد النكاح، فقد حصل النكاحُ، ولا قُدْرة له على إيجاد الموجودِ، بل له قدرةٌ على إِزالة النكاح، والله - تعالى - أثبت العفو لمن في يدِه، وفي قُدرته عقد النكاح.
قوله تعالى :﴿وَأَن تَعْفُوا ااْ أَقْرَبُ﴾ :" أَنْ تَعْفُوا " في محلِّ رفع بالابتداء ؛ لأنه في تأويل " عَفْوُكُمْ "، و " أَقْرَبُ " خبره، وقرأ الجمهور " تَعْفُوا " بالخطاب، والمرادُ الرجالُ والنساءُ، فغلَّبَ المذكَّر لأنه الأصلُ، والتأنيث، قلتَ :" قَائِمَة " فاللفظ الدالُّ على المذكر هو الأَصل، والدالُّ على المؤنَّثِ فرعٌ عليه، وأمَّا المعنى : فلأَنَّ الكمال للذُّكور، والنُّقصانَ للإِناثِ ؛ فلهذا متى اجتمع المذكرُ، والمؤنثُ - غُلِّب التذْكير، والظاهِرُ أنه للأزواج خاصَّةً ؛ لأنهم المخاطبون في صدر الآيةِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتاً من غائبٍ، وهو قوله :﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ - على قولنا إنَّ المرادَ به الزوجُ - [وهو المختارُ] - إلى الخطابِ الأولِ في صدرِ الآية، وقرأ الشَّعبيُّ وأبو نهيك " يَعْفُوا " بياء من تحت، قال أبو حيَّان جعله غائباً، وجُمِع على معنى :﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ ؛ لأنه للجنس لا يُراد به واحدق يعني أنَّ قوله :" وَأْنْ يَعْفُوا " أصله " يَعْفُوُونَ "، فلمَّا دخل الناصبُ، حُذِفت نونُ الرفعِ، ثم حُذِفَت الواوُ التي هي لامُ الكلمةِ، وهذه الباقية هي ضميرُ الجماعةِ، جُمِعَ على معنى الموصُول ؛ لأنه وإِنْ كان مفرداً لفظاً، فهو مجموعٌ في المعنى ؛ لأنه جنسٌ، ويظهر فيه
٢٢٢


الصفحة التالية
Icon