الرابعة : قوله تعالى :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ﴾ [هود : ١١٤] فالمراد بـ " طَرَفَي النَّهَارِ " الصُّبحُ والعَصْر، وبقوله " وزُلْفاً من الليل " المغرب، والعشاء.
فصل في الصلاة الوسطى اختلفوا في الوسطى على سبعة مذاهب : الأول : أنَّ الله - تعالى - لمّا لم يبينها بل خصَّها بمزيد التوكيد، جاز في كُلِّ صلاةٍ أَنْ تكون هي الوسطَى، فيصير ذلك داعياً إلى أداء الكل بصفةِ الكمالِ، والتمام ؛ كما أنّه أخفى ليلة القَدْرِ في رمضان، وأخفى ساعةَ الإجابةَ في يوم الجُمُعةِ، وأَخْفَى اسمه الأَعظم في جميع الأَسماءِ، وأخفى وقتَ الموتِ في الأوقات ؛ ليكون المكلَّف خائِفاً من الموتِ في كل الأوقات، وهذا قولُ جماعةٍ من العُلَماءِ.
قال محمَّد بن سيرين : سأل رجلٌ زيد بن ثابتٍ، عن الصلاة الوسطى، فقال : حافِظ على الصلوات كُلِّها تصبها.
وعن الربيع بن خيثم أنّه سأله واحدٌ عنها، فقال : قال ابن عمر : الوُسطى واحدة منهن، فحافِظ على الكُلِّ تكُنْ محافظاً على الوسطى، ثم قال الربيع : فإنْ حافظتَ عليهن، فقد حافظت على الوسْطى.
الثاني : أَنَّ الوسطى هي مجموعُ الصلوات الخَمْس ؛ لأَن هذه الصلوات الخمس : هي الوسطى من الطاعات، وتقريره : أنَّ الإِيمان بضعٌ وسبعون درجة : أعلاها شهادةث أَنْ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى، فهي واسطة بين الطرفين.
وقيل : الوسطى صلاةُ الجمعة ؛ لأن وقتها وسطُ النهارِ، ولها شروط ليست لبقيَّة الفرائض : من أشتراط الخُطبة، والأَربعين، ولا تصلي في المِصْر أكثر مِنْ جمعةٍ واحدةٍ، إِلاَّ أَنْ تدعُو الحاجة إلى أكثر منها ؛ وتفوتُ بفواتِ وقتها ولا تقضى ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.
الثالث : أنها صلاةُ الصبح، وهو قول علي وعمر وابن عباس، وابن عمرو وجابر بن عبدالله، ومعاذ وأبي أمامة الباهِليّ، وهو قول عطاء، وطاوسٍ، وعكرمة ومجاهد، وإليه ذهب مالكٌ، والشافعي.
واستدلُّوا بوجوه :
٢٢٧
أحدها : أنَّ هذه الصلاة تُؤدَّى بعد طُلُوع الفجر، وقبل طلوع الشمس، وهذا الزمان ليس فيه ظُلمة باقية، ولا ضوء تام فكأنّه ليس بليلٍ ولا نهارٍ، فكان مُتوسِّطاً بينهما.
وثانيها : أَنََّ النهار حصل فيه صلاتان : الظهر، والعصر ؛ وفي الليل صلاتان : المغرب، والعشاء ؛ وصلاةُ الصبح كالمتوسطة بين صلاتي الليل، وصلاتي النهار.
فإنْ قيل : هذه المعاني حاصِلةٌ في صلاة المغرب.
فالجوابُ : أنَّا نرجِّح صلاة الصُّبح على صلاة المغرب ؛ بكثرة الفضائلِ، على ما سيأتي إِنْ شاء الله تعالى.
وثالثها : أَنَّ الظهر، والعصر صلاتا جمعٍ، وكذلك : المغربُ والعِشاءُ، وصلاة الصبح منفردةٌ بوقتِ واحدٍ ؛ فكانت وسطاً بينهما.
ورابعها : قوله تعالى :﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ [الإسراء : ٧٨] وقد ثبت أَنَّ المراد منه صلاةُ الفجر، يعنى تشهدُه ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، فلا تجتمعُ ملائِكةُ الليل وملائكةُ النهار في وقتٍ واحد، إِلاّ في صلاةِ الفجر ؛ فثبت أَنَّ صلاةَ الفجرِ قد أخذت بطرفي الليل والنهار من هذا الوجه ؛ فكانت كالشيءِ المتوسِّط.
وخامسها : قوله تعالى :﴿وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ﴾ وصلاة الصبح مخصوصةٌ بطول القيام، والقنوت، وهذا ضعيف، لأنه يقال لا نُسلِّمُ أَنَّ المراد بالقنوت طولُ القيام، كما سيأتي في تفسير هذه الكلمة، ولا نُسَلّم أَنَّ القنوت مخصوص بالفجر ؛ بل يقنت في سائر الصَّلوات إِذَا نزل بالمسلمين، إِلاَّ فلا قنوت في شيءٍ من الفرائض.
وسادسها : أَنَّهُ تعالى إنَّما أفردها بالذكر ؛ لأَجل التأكيد ؛ لأنها أحوجُ الصلوات إلى التَّأكيد، إِذْ ليس في الصلواتِ أشقّ منها ؛ لأنها تجب على الناس في ألذ أوقاتِ النَّوم ؛ فيترك النومَ اللذيذ إلى استعمال الماء البارِدِ، والخُروج إلى المسجد والتَّأهب للصلاة، ولا شَكَّ أن هذا شاق صعبٌ على النفس.
وسابعها : أنها أفضلٌ الصلواتِ، فوجب أَنْ تكونَ هي الوسطى، ويدل على فضيلتها وجوه : الأول : قوله تعالى :﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [آل عمران : ١٧] فختم طاعاتهم بكونهم
٢٢٨


الصفحة التالية
Icon