كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة.
وقيل : لذهب بما استفادوا من العِزِّ والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر.
وقرـ ابن عامر وحمزة " شاء " و " جاء " حيث كان بالإمالة.
قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
هذه جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها، و " كُلّ شيء " متعلّق بـ " قدير " وهو " فعيل " بمعنى " فاعل "، مستق من القُدْرة، وهي القوة والاستطاعة، وفعلها " قَدَرَ " بفتح العين، وله ثلاثة عشر مصدراً :" قدْرَة " بتثليث القاف، و " مَقْدرَة " بتثليث الدال، و " قَدْراً "، و " قَدَراَ "، و " قُدَراَ "، و " قَدَاراً "، و " قُدْرَاناً "، و " مَقِْراً " و " قدير " أبلغ من " قادر "، قاله الزَّجاج.
وقيل : هما بمعنى واحد ؛ قال الهَرَوِيّ.
والشيء : ما صحّ أن يعلم من وَجْه ويخبر عنه، وهو في الأصل مصدر " شاء يشاء "، وهل يطلق على المعدوم والمستحيل ؟ خلاف مشهور.
فَصْلٌ في بيان المعدوم شيء ؟ استدلّ بعضهم بهذه الآية على أن المعدوم شيء، قال :" لأنه - تعالى - أثبت القدرة على الشيء، والموجود لا قدرة عليه ؛ لاستحالة إيجاد الموجود، فالذي عليه القُدْرة معدوم وهو شيء، فالمعدوم شيء ".
والجواب : لو صَحَّ هذا الكلام لزم أنَّ ما لا يقدر عليه ألا يكون شيئاً، فالموجود إذا لم يقدر الله عليه وجب ألا يكون شيئاً.
فصل في بيان وصف الله تعالى بالشيء قال ابن الخطيب : احتج جَهْمٌ بهذه الآية على أنه - تعالى - ليس بشيء لأنه - تعالى - ليس بمقدور له، فوجب إلاَّ يكون شيئاً، واحتج أيضاً بقوله تعالى :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى : ١١].
قال :" لو كان الله - تعالى - شيئاً، لكان - تعالى - مثل نفسه، فكان قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى : ١١] كذب، فوجب ألا يكون شيئاً ؛ حتى لا تتناقض هذه الآية ".
٤٠٣
قال ابن الخطيب : وهذا الخلاف في الاسم ؛ لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم، قال : واحتج أصحابنا بقوله تعالى :﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ﴾ [الأنعام : ١٩].
وبقوله :﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ [القصص : ٨٨] والمستثنى داخل في المستثنى منه، فوجب أن يكون شيئاً.
فصل في أن مقدور العبد مقدور لله تعالى قال ابن الخطيب : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى، خلافاً لأبي هَاشِم وأبي عَلِيّ.
وجه الاستدلال : أن مقدور العَبْدِ شيء، وكلّ شيء مقدور لله - تعالى - بهذه الآية، فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدوراً لله تعالى.
فصل في جواز تخصيص العام تخصيص العام جائز في الجملة، وأيضاً تخصيص العام بدليل
٤٠٤
العقل، فإن قيل : إذا كان اللَّفظ موضوعاً للكل، ثم تبين أن الكل غير مراد كان كذباً، وذلك يوجب الطَّعن في كلّ القرآن.
والجواب : أن لفظ " الكُلّ " كما أنه يستعمل في المجموع، فقد يستعمل مجازاً في الأكثر، وإذا كان ذلك مجازاً مشهوراً في اللَّغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذباً، والله أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٤
اعلم أنه - تعالى - لما بين أحكام الفِرَقِ الثلاث - أعني المؤمنين والكفار والمنافقين - أقبل عليهم بالخطاب وهو من باب " الالتفات ".
٤٠٥
" يا " حرف نداء وهي أم الباب.
وزعم بعضهم أنها اسم فعل، وقد تحذف نحو :﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَا﴾ [يوسف : ٢٩].
وينادي بها المندوب والمستغاث.
قال أبو حيان :" وعلى كثرة وقوع النداء في القرآن لم يقع نداء إلاَّ بها ".
وزعم بعضهم أن قراءة :" أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ " [الزمر : ٩] بتخفيف الميم أن الهمزة فيه للنداء، وهو غريب، وقد يراد بها مجرد التنبيه فيليها الجمل الاسمية والفعلية، قال تعالى :﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ﴾ [النمل : ٢٥] بتخفيف أَلاَ ؛ وقال الشاعر :[الطويل] ٢٧٢ - أَلاَ يَا اسْقِيَانِي قَبْلَ غَارَةِ سِنْجَالِ
..............................
وقال آخر :[البسيط] ٢٧٣ - يا لَعْنَةُ اللهِ وَالأَقْوَامِ كُلُّهِمُ
وَالصَّالِحِينَ عَلَى سمْعَانَ مِنْ جَارِ
و " أي " اسم منادى في محلّ نصب، ولكنه بني على " الضم " ؛ لأنه مفرد معرفة، وزعم الأخفش أنها هنا موصولة، وأن المرفوع بعدها خبر مبتدأ مضمر، والجملة صلةٌ، والتقدير :" يا الَّذِين هُمُ النَّاس "، والصحيح الأول، والمرفوع بعدها صفة لها، [والمشهور] : يلزم رفعه، ولا يجوز نصبه على المحلّ خلافاً للمازني.
٤٠٦
و " ها " زائدة للتنبيه لازمة لها، والمشهور فتح هَائِهَا، ويجوز ضمُّها إتباعاً للياء، وقد قرأ ابن عامر بذلك في بعض المواضع نحو " أَيُّهُ المُؤْمِنُونَ " [النور : ٣١] والمرسوم يساعده.
ولا توصف " أي " هذه إلا بما فيه الألف واللام، أو بموصول هما فيه، أو باسم إشارة نحو :﴿ يا أيها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ [الحجر : ٦] وقال الشاعر :[الطويل] ٢٧٤ - ألاَ أَيُّهَذَا النَّابِحُ السِّيدَ إِنَّنِي
عَلَى نَأْيهَا مُسْتَبْسِلٌ مِنْ وَرَائِهَا