جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
وفسر بعضهم يا زيد : أنادي زيداً، وأخاطب زيداً، وهو خطأ من وجوه : أحدهما : أن قوله :" أنادي زيداً " خبر يحتمل الصدق والكذب، وقوله : يا زيد لا يحتملهما.
وثانيها : أن قولنا :" يا زيد " يقتضي أن زيداً منادى في الحال، و " أنادي زيداً " لا يقتضي ذلك.
وثالثها : أن قولنا :" يا زيد " يقتضي صيرورة زيد خاطباً هذا الخطاب، و " أنادي زيداً " لا يقتضي ذلك ؛ لأنه لا يمكن أن يخبر إنساناً آخر بأن أنادي زيداً.
ورابعها : أن قولنا : أنادي زيداً إخبار عن النداء، والإخبار عن النداء غير النداء.
واعلم أن " يا " حرف وضع في أصله لنداء البعيد، وإن كان لنداء القريب، [لكن بسبب أمر مهم جدًّا، وأما نداء القريب فله :" أي " والهمزة] ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب، تنزيلاً له منزلة البعيد.
فإن قيل : فلم يقول الداعي :" يا رب "، " يا الله " وهو أقرب إليه من حبل الوريد ؟ قلنا : هو استبعاد لنفسه من مَظَانّ الزُّلْفَى، إقراراً على نفسه بالتقصير.
و " أي " وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن " ذو " الذي وصلة إلى وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم، فافتقر إلى ما يزيل إبهامه، فلا بد وأن يردفه اسم جنس، أو ما جرى مجراه، ويتصف به حتى يحصل المقصود بالنداء.
و لـ " أي " معانٍ أخر كالاستفهام، والشرط، وكونها موصولة، ونكرة موصوفة لنكرة، وحالاً لمعرفة.
و " النَّاس " صفة " أي "، أو خبر محذوف حسب ما تقدم من الخلاف.
٤٠٧
و " اعبدوا ربكم " جملة أمرية لا محلّ لها ؛ لأنها ابتدائية.
" الَّذي خَلَقَكُمْ " فيه ثلاثة أوجه : أظهرها : نصبه على النَّعت لـ " ربكم ".
الثَّاني : نصبه على القطع.
الثالث : رفعه على القطع أيضاً.
وقد تقدّم معناه.
فصل في تقسيم ورود النداء في القرآن الكريم قال ابن عبَّاس رضي الله عنه :" يا أيُّهَا النَّاسُ " خطاب لأهل " مكة " و " يا أيُّهَا الَّذِين آمَنُوا " لأهل " المدينة "، ورد على قوله هذه الآية بان البقرة مدنية.
وقال غيره : كلّ ما كان في القرآن من قوله :" يا أيها الذين آمنوا " فهو مدني.
وأما قوله :﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ فمنه مكّي، ومنه [مدني] وهذا خطاب عام ؛ لأنه لفظ جمع معرف، فيفيد العموم، لكنه مخصوص في حقّ ما لا يفهم، كالصَّبي، والمجنون، والغافل، ومن لا يقدر، لقوله تعالى :﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة : ٢٨٦].
ومنهم من قال : إنه مخصوص في حق العبيد، لأنّ الله - تعالى - أوجب عليهم طاعة مواليهم، واشتغالهم بطاعة المولى كمنعهم عن الاشتغال بالعبادات، والأمر الدَّال على وجوب طاعة المولى أخصّ من الأمر الدَّال على وجوب العبادة، والخاصّ مقدّم على العام، والكلام على هذا مذكور في أصول الفقه.
قال ابن الخطيب : قوله :﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ يتناول جميع الناس الموجودين في ذلك العصر، فهل يتناول الَّذين سيوجدون بعد ذلك أم لا ؟ قال :" والأقرب أنه لا يتناولهم ؛ لأن قوله :﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ خطاب مُشَافهة، وخطاب المُشَافهة مع المعدوم لا يجوز "، وأيضاً فالذين سيوجدون ما كانوا موجودين في تلك الحالة، وما لا يكون موجوداً لا يكون إنساناً، فلا يدخل تحت قوله :﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾.
فإن قيل : فوجب أن يتناول أحداً من الَّذين وجدوا بعد ذلك الزمان، وإنه باطل قطعاً.
قلنا : لو لم يجد دليل منفصل لكان الأمر كذلك، إلاَّ أنا عرفنا بالتَّواتر من دين
٤٠٨