تبعاً ؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :" إن اسْتَطَعْتُمْ أَلاََّ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " يعنى : العصر، والفجر، ثم قرأ جرير :﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه : ١٣٠].
وروى عمَّار بن رؤيبة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :" لنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا " يعني الفجر والعصر، وقيل : العشاء والصبح ؛ لأن أبا الدَّرداء - رضي الله عنه - قال في مرضه الذي مات فيه : اسمعوا، وبلِّغوا من خلفكم : حافظوا على هاتين الصَّلاتين، يعني في جماعة - العشاء والصُّبح، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم.
قوله :﴿وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ﴾ قال ابن عباس : القنوت : الدعاء، والذكر، بدليل قوله تعالى :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً﴾ [الزمر : ٩].
ومنه الحديث أن النبي ﷺ قنت يدعو على رعل، وذكوان، وعصيّة، وأحياء من سليم.
وقيل : مُصلِّين ؛ لقوله :" أَمْ هُوَ قَانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ".
وقال الشعبيُّ، وعطاء، وسعيد بن جبير، والحسن، وطاوسٌ، وقتادة، والضحاك، ومقاتلٌ : القنوت : الطاعة، ويدلُّ عليه وجهان : الأول : ما روي عن النبي ﷺ أنّه قال :" كُلُّ قُنُوتٍ في القُرْآنِ فَهُوَ طَاعَةٌ ".
٢٣٤
والثاني : قوله تعالى :﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأحزاب : ٣١] وقال :﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾ [النساء : ٣٤] فالقنوت عبارةٌ عن كمال الطَّاعة، وإتمامها والاحتراز عن إيقاع الخلل في أركانها.
قال الكلبيُّ، ومقاتلٌ : لكلِّ أهل دينٍ صلاةٌ يقومون فيها عاصين فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين.
وقيل : القنوت : السكوت، وهو قول ابن مسعود، وزيد بن أرقم، قال زيد بن أرقم : كنَّا نتكلّم في الصلاة، فيسلِّم الرجل ؛ فيردون عليه ويسألهم كيف صليتم ؟ كفعل أهل الكتاب.
فنزل قوله تعالى :﴿وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ﴾ فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.
وقال مجاهد : القنوت : عبارةٌ عن الخشوع، وخفض الجناح، وسكون الأطراف، وترك الالتفات من هيبة الله، وكان العلماء إذا قام أحدهم يصلي، يهاب الرحمن، فلا يلتفت أو يقلب الحصى، أو يعبث، أو يحدّث نفسه بشيءٍ من أمر الدنيا ناسياً حتى ينصرف.
وقيل : القنوت : عبارة عن طول القيام.
قال جابر : سئل النبي ﷺ أيُّ الصَّلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت، يريد طول القيام.
قال ابن الخطيب : وهذا القول ضعيفٌ ؛ وإلاَّ صار تقدير الآية : وقوموا لله قائمين ؛ اللَّهم إلاَّ أن يقال : وقوموا لله مديمين لذلك القيام ؛ فيصير القنوت مفسَّراً بالإدامة، لا بالقيام.
وقيل : القنوت في اللغة : عبارةٌ عن الدوام على الشيء، والصَّبر عليه والملازمة له.
وفي الشريعة مختصٌّ بالمداومة على طاعة الله تعالى ؛ وهو اختيار عليٍّ بن عيسى، وعلى هذا يدخل فيه جميع ما قاله المفسِّرون.
٢٣٥
قوله :" قَانِتِينَ " حالٌ من فاعل " قُومُوا " و " لِلَّهِ " يجوز أن تتعلَّق اللام بـ " قُومُوا "، ويجوز أن تتعلَّق بـ " قَانِتِينَ "، ويدلُّ للثاني قوله تعالى :﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة : ١١٦].
ومعنى اللام التعليل.
فصل قال أبو عمرو : أجمع المسلمون على أنّ الكلام، عامداً في الصلاة، إذا كان المسلم يعلم أنّه في صلاةٍ، ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته أنّه يفسد الصلاة، إلاّ ما روي عن الأوزاعي أنّه قال إن تكلم في الصَّلاة لإحياء نفسٍ، ونحوه من الأمور الجسام، لم يفسد ذلك صلاته.
واختلفوا في كلام السَّاهي، فقيل : لا يفسد الصلاة.
وقيل : يفسدها.
وقال مالكٌ : إذا تكلم عامداً لمصلحة الصَّلاة، لم تفسد، وهو مذهب أحمد.
قوله تعالى :﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾.
قال الواحديُّ : معنى الآية : فإن خفتم عدوّاً، فحذف المفعول لإحاطة العلم به.
وقال الزمخشريُّ :" فإن كان لكم خوفٌ من عَدُوٍّ، أو غيرِه " فهو أصحُّ ؛ لأن هذا الحكم ثابتٌ عند حصول الخوف، سواءٌ كان الخوف من عدوٍّ، أو غيره.
وقيل : المعنى : فإن خفتم فوات الوقت، إذا أَخَّرْتُمُ الصلاة إلى أن تفرغوا من حربكم، فصلُّوا رِجالاً، أو ركْبَاناً، وعلى هذا التقدير الآية تدلُّ على تأكيد فرض الوقت ؛ حتى يترخَّص لأجل المحافظة عليه في ترك القيام، والركوع، والسجود.
قوله تعالى :﴿فَرِجَالاً﴾ : منصوبٌ على الحال، والعامل فيه محذوفٌ، تقديره :" فَصَلُّوا رِجَالاً، أو فحَافِظُوا عَلَيْهَا رِجَالاً " وهذا أولى ؛ لأنه من لفظ الأول.
و " رِجَال " جمع راجلٍ ؛ مثل قيامٍ وقائم، وتجارٍ وتاجرٍ، وصِحَابٍ وصاحب، يقال منه : رَجِلَ يَرْجَلُ رَجْلاً، فهو رَاجِلٌ، ورَجُل بوزن عضدٍ، وهي لغة الحجاز.
يقولون : رَجِلَ فُلاَنٌ، فهو رَجُلٌ، ويقال : رَجْلاَن ورَجِيلٌ ؛ قال الشاعر :[الطويل] ١١٤٨ - عَلَيَّ إِذَا لاَقَيْتُ لَيْلَى بِخُفْيَةٍ