أَنَ ازْدَارَ بَيْتَ اللهِ رَجْلاَنَ حَافِيَا
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤
٢٣٦
كلُّ هذا بمعنى مشى على قدميه ؛ لعدم المركوب.
وقيل : الراجل الكائن على رجله، ماشياً كان أو واقفاً، ولهذا اللفظ جموعٌ كثيرة : رجالٌ ؛ كما تقدَّم ؛ وقال تعالى :﴿يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج : ٢٧] وقال [الكامل] ١١٤٩ - وَبَنُو غُدَانَةَ شَاخِصٌ أَبْصَارُهُمْ
يَمْشُونَ تَحْتَ بُطُونِهِنَّ رِجَالاً
ورَجِيلٌ، ورُجَالَى، وتروى قراءةً عن عكرمة، ورَجَالَى، ورَجَّالَة، ورُجَّال، وبها قرأ عكرمة وابن مخلدٍ، ورُجَّالَى، ورُجْلاَن، ورِجْلَة، ورَجْلَة بسكون الجيم وفتحها، وأرجِلَة، وأرَاجِلٍ، وأرَاجِيل، ورجَّلاً بضم الراء وتشديد الجيم من غير ألفٍ، وبها قرئ شاذّاً.
وقال القفَّال : يجوز أن يكون " رِجَالٌ " جمع الجمع ؛ لأن رجلاً يجمع على " رَاجِلٍ "، ثمَّ يجمع راجلٌ على رِجالٍ.
والرُّكبان جمع راكب مثل فُرْسَان وفَارس، قال القفَّال : قيل : ولا يقال إلاَّ لمن ركب جملاً، فأمَّا راكب الفرس، ففارسٌ، وراكب [الحمار] والبغل حمَّار وبغَّال، والأجود صاحب حمار وبغلٍ، و " أو " هنا للتقسيم، وقيل : للإباحة، وقيل : للتخيير.
فصل قال القرطبيُّ : لمّا أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة، بحال القنوت، وهو الوقار، والسكينة، وهدوء الجوارح، وهذه هي الحالة الغالبة من الأمن، والطُّمأنينة، ذكر حالة الخوف الطارئة أحياناً، وبيَّن أن هذه العبادة لا تسقط عن العبد في حالٍ، ورخَّص لعبيده في الصلاة رجالاً على الأقدام، أو ركباناً على الخيل والإبل، ونحوه إيماءً، وإشارةً بالرأس حيث ما توجهوا.
فصل في صلاة الخوف صلاة الخوف قسمان : أحدهما : حال القتال مع العدو، وهي أقسام : أحدها : حال التحام الحرب، وهو المذكور في هذه الآية، وباقيها مذكورٌ في سورة النِّساء [١٠٢] والقتال إمَّا واجبٌ، أو مباحٌ، أو محظورٌ.
٢٣٧
فالواجب : كالقتال مع الكفار، وهو الأصل في صلاة الخوف، وفيه نزلت الآية، ويلحق به قتال أهل البغي، بقوله تعالى :﴿فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِى ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات : ٩].
والمباح : كدفع الصائل بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه ؛ فإنه يجب الدفع، وفي الدفع عن كل حيوانٍ محترم، فإنَّه يجوز فيه صلاة الخوف.
وأمَّا المحظور فلا يجوز فيه صلاة الخوف ؛ لأن هذا رخصةٌ، والرخصة إعانة ؛ والعاصي لا يستحقّ الإعانة.
القسم الثاني : في الخوف الحاصل في غير القتال، كالهارب من الحرق، أو الغرب، أو السَّبع، أو المطالبة بدينٍ، وهو معسر خائفٌ من الحبس عاجزٌ عن بيِّنة الإعسار فلهم أن يصلُّوا صلاة الخوف ؛ لأن قوله تعالى :﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ مطلقٌ يتناول الكلَّ، فإن قيل : المراد منه الخوف من العدوِّ حال المقاتلة.
قلنا : سلمنا ذلك، ولكن علمنا أنّه إنّما ثبت هناك، لدفع الضَّرر، وهذا المعنى قائمٌ هنا، فوجب أن يكون ذلك الحكم مشروعاً هنا.

فصل في عدد ركعات صلاة الحضر والسفر والخوف ولا ينتقص عدد الركعات بالخوف عند أكثر أهل العلم.


وروى مجاهد، عن ابن عباسٍ قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السَّفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.
وقال سعيد بن جبير : إذا كنت في القتال، وضرب الناس بعضهم بعضاً، فقل سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، واذكر الله فتلك صلاتك.
فصل قال القرطبي : والمقصود من هذه الآية، أن تفعل الصلاة كيفما أمكن، ولا تسقط بحالٍ، حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين لزم فعلها، وبهذا تميزت عن باقي العبادات ؛ لأنها تسقط بالأعذار.
قال ابن العربيّ : ولهذا قال علماؤنا : إن تارك الصلاة يقتل لأنها أشبهت الإيمان
٢٣٨


الصفحة التالية
Icon