الذي لا يسقط بحالٍ، ولا تحوز النيابة فيها ببدنٍ، ولا مالٍ، فيقتل تاركها كالشهادتين.
قوله :﴿فَإِذَآ أَمِنتُمْ﴾ يعني بزوال الخوف الذي هو سبب الرخصة ﴿فَاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ أي : فصلُّوا الصلوات الخمس.
والصلاة قد تسمَّى ذكراً، قال تعالى :﴿فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة : ٩].
وقيل :﴿فَاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ أي : فاشكروه ؛ لأجل إنعامه عليكم بالأمن.
وطعن القاضي في هذا القول ؛ بأن الشُّكر يلزم مع الخوف، كما يلزم مع الأمن ؛ لأن نعم الله تعالى متصلة في الحالين.
وقيل : إنَّ قوله تعالى :﴿فَاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ يدخل تحته الصلاة، والشكر جميعاً.
قوله :﴿كَمَا عَلَّمَكُم﴾ الكاف في محلِّ نصبٍ : إمَّا نعتاً لمصدر محذوفٍ، أو حالاً من ضمير المصدر المحذوف، وهو الظاهر، ويجوز فيها أن تكون للتعليل، أي : فاذكروه لأجل تعليمه إيَّاكُمْ، و " مَا " يجوز أن تكون مصدريةً، وهو الظاهر، ويجوز أن تكون بمعنى " الَّّذِي "، والمعنى : فصلُّوا الصَّلاة كالصَّلاة التي عَلَّمَكُمْ، وعبَّر بالذكر عن الصلاة، ويكون التشبيه بين هيئتي الصلاتين الواقعة قبل الخوف وبعده في حالة الأمن.
قال ابن عطيَّة :" وعَلَى هذا التأويلِ يكون قوله :" مَا لَمْ تَكُونُوا " بدلاً من " مَا " في " كَمَا " وإلاَّ لم يتَّسق لفظ الآية " قال أبو حيان :" وهو تخريجٌ مُمْكِنٌ، وأحسن منه أن يكون " مَا لَمْ تَكُونُوا " بدلاً من الضمير المحذوف في " عَلَّمَكُم " العائد إلى الموصول ؛ إذ التقدير : عَلَّمَكُمُوهُ، ونصَّ النحويون على أنه يجوز : ضَرَبْتُ الذي رَأَيْتُ أَخَاكَ " [أي : رَأَيْتُهُ أَخَاكَ]، فـ " أَخَاكَ " بدلٌ من العائد المحذوف ".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤
قرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي، وأبو بكرٍ، عن عاصم :" وَصِيَّةٌ " بالرفع والباقون : بالنصب.
وفي رفع ﴿الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ ثمانية أوجهٍ، خمسةٌ منها على قراءة من رفع " وَصِيَّةً "، وثلاثةٌ على قراءة من نصب " وصيةٌ " ؛ فأوّل الخمسة، أنه مبتدأ، و " وَصِيَّةٌ " مبتدأ ثانٍ، وسوَّغ الابتداء بها كونها موصوفة تقديراً ؛ إذ التقدير :" وَصِيَّةٌ مِنَ اللهِ " أو " مِنْهُمْ " ؛ على حسب الخلاف فيها : أهي واجبةٌ من الله تعالى، أو مندوبةٌ للأزواج ؟ و " لأَزْوَاجِهِمْ " خبر المبتدأ الثاني، فيتعلَّق بمحذوفٍ، والمبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، وفي هذه الجملة ضمير الأول، وهذه نظير قولهم :" السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ " تقديره :" مَنَوَانِ مِنْهُ "، وجعل ابن عطية
٢٣٩
المسوِّغ للابتداء بها كونها في موضع تخصيص ؛ قال :" كما حَسُنَ أَنْ يرتفع :" سَلاَمٌ عَلَيْكَ " و " خَيْرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ " ؛ لأنها موضع دعاءٍ " قال شهاب الدين : وفيه نظرٌ.
الثاني : أن تكون " وَصِيَّةٌ " مبتدأ، و " لأَزْوَاجِهِمْ " صفتها، والخبر محذوفٌ، تقديره : فعليهم وصيةٌ لأزواجهم، والجملة خبر الأوَّل.
الثالث : أنها مرفوعة بفعل محذوفٍ، تقديره : كتب عليهم وصيَّةٌ و " لأَزْوَاجِهِمْ " صفةٌ، والجملة خبر الأول أيضاً ؛ ويؤيِّد هذا قراءة عبدالله :" كُتِبَ عَلَيْهِمْ وَصِيَّةٌ " وهذا من تفسير المعنى، لا الإعراب ؛ إذ ليس هذا من المواضع التي يضمر فيها الفعل.
الرابع : أن " الَّذِينَ " مبتدأٌ، على حذف مضافٍ من الأول، تقديره : ووصيَّةُ الذين.
الخامس : أنه كذلك إلا أنه على حذف مضافٍ من الثاني، تقديره :" وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ أَهْلُ وَصيَّةٍ " ذكر هذين الوجهين الزمخشريُّ، قال أبو حيان :" ولا ضرورة تدعونا إلى ذلك ".
فهذه الخمسة الأولى التي على رفع " وَصِيَّةٌ ".
وأمَّا الثلاثة التي على قراءة النصب في " وَصِيَّةٌ " : فأحدها : أنه فاعل فعل محذوفٍ، تقديره : وليوص الذين، ويكون نصب " وَصِيَّةٌ " على المصدر.
الثاني : أنه مرفوع بفعل مبني للمفعول يتعدَّى لاثنين، تقديره :" وأُلْزِمَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ " ويكون نصب " وَصِيَّةً " على أنها مفعولٌ ثانٍ لـ " أُلْزِمَ "، ذكره الزمخشريُّ، وهو والذي قبله ضعيفان ؛ لأنه ليس من مواضع إضمار الفعل.
الثالث : أنه مبتدأٌ، وخبره محذوف، وهو الناصب لوصية، تقديره : والذين يتوفون يوصون وصيَّة، وقدره ابن عطية :" لِيُوصُوا " و " وَصِيَّةً " منصوبةٌ على المصدر أيضاً، وفي حرف عبدالله :" الوَصِيَّةُ " رفعاً بالابتداء، والخبر الجارُّ بعدها، أو مضمرٌ أي : فعليهم الوصية، والجارُّ بعدها حالٌ، أو خبرٌ ثانٍ، أو بيانٌ.
قوله تعالى :﴿مَّتَاعاً﴾ في نصبه سبعة أوجهٍ : أحدها : أنَّه منصوبٌ بلفظ " وَصِيَّة " لأنها مصدرٌ منونٌ، ولا يضرُّ تأنيثها بالتاء ؛ لبنائها عليها ؛ فهي كقوله :[الطويل] ١١٥٠ - فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّضْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ
عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالْمَوَارِدِ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٩


الصفحة التالية
Icon