تيْماً الثاني بين الأوَّل، وما أضيف إليه، وكإقحامهم لام الإضَافةِ بين المضاف والمضاف إلَيْه في نَحْو :" لاَ أَبَا لَكَ " قيل : هذا الذي قاله مذْهَبٌ لبعضهم ؛ ومنه قوله :[الطويل] ٢٧٧ - مِنَ النَّفَرِ اللاَّءِ الَّذِينَ إذَا هُمُ
يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا
فـ " إذا " وجوبها صلةُ " اللاَّء "، ولا صلةَ للذين ؛ لأنه توكيد للأول، إلا أن بعضهم يرد هذا القول، ويجعله فاسداً من جهة أنه لا يؤكد الحرف إلا بإعادة ما اتّصل به، فالموصول أولى بذلك، وخرج الآية والبيت على أن " مَنْ قَبْلَكُمْ " صلةٌ للموصول الثَّاني، والموصول الثَّاني وصلته خبر لمبتدأ محذوف، والمبتدأ وخبره صلة الأول، والتقدير :" والَّذين هُمْ مِنْ قَبْلِكُم "، وكذا [البيت] فجعل " إذا " وجوابها صلةً [للَّذِينَ، واللَّذِينَ خبر لمبتدأ محذوف، وذلك المبتدأ وخبره صلة] لـ " اللاء "، ولا يخفَى ما في هذا التعسُّف.
قوله :﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
" لعل " واسمها وخبرها، وإذا ورد في كلام الله - تعالى - فللناس فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن " لَعَلّ " على بابها من الترجّي والإطماع، ولكن بالنسبة إلى المخاطبين، أي : لعلَّكم تتقون على رجائكم وطمعكم ؛ وكذا قاتل سيبويه في قوله تعالى :﴿لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : ٤٤] : أي : اذْهَبَا على رجائِكُمَا.
٤١١
والثَّاني : أنها للتعْليل : أي : اعْبُدُوا ربَّكُم ؛ لِكَيْ تَتَّقُوا، وبه قال قُطْرُبٌ، والطبريُّ وغيرُهُما ؛ وأنشدوا :[الطويل] ٢٧٨ - وقُلْتُمْ لَنَا : كُفُّوا الحُرُوبَ لَعَلَّنَا
نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
فَلَمَّا كَفَفْنَا الحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ
كَلَمْعِ سَرَابٍ في المَلاَ مُتَأَلِّقِ
أي : لنكُفَّ الحَرْبَ، ولو كانت " لَعَلّ " للترجِّي، لم يقل : وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ.
والثَّالث : أنها للتعَرُّض للشيْءِ ؛ كأنه قيل : افْعَلُوا ذلك متعرضِّين لأن تَتَّقُوا.
وقال القَفَّال :" لعل " مأخوذةٌ من تكرير الشيء لقولهم : عللاً بعد نَهَلِ، و " اللام " فيها هي " لام " التأكيد كاللام التي تدخل في " لقد "، فأصل " لعل " : طعل " ؛ لأنهم يقولون :" علك أن تفعل كذا " : أي لعلك.
وإن كانت حقيقة في التكرير والتأكيد، كان قول القائل : افعل كذا لعلّك تظفر بحاجتك.
معناه : افعله ؛ فإن فعلك له يؤكد طلبك له ويقويك عليه، وهذه الجملة على كل قول متعلّقة من جهة المعنى بـ " اعبدوا " أي : اعبدوا على رجائكم التَّقوى، أو لتتقوا، أو متعرّضين للتقوى، وإليه مال المهدوي، وأبو البقاء.
وقال ابن عطيّة :" [يتجه] تعلّقها بخلقكم، لأنَّ كل مولود يولد على الفطرة، فهو بحيث يرجى أن يكون متقياً "، إلاَّ أن المهدوي منع من ذلك.
قال : لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقي، ولم يذكر الزمخشري غير تعلّقها بـ " خلقكم " ثم رتب على ذلك سؤالين : أحدهما : أنه كما خلق المُخاطبين لعلّهم يتقون، كذلك خلق الذين من قبلهم لذلك فلم خصّ المخاطبين بذلك دون من قبلهم ؟ وأجاب عن ذلك بأنه لم يقصر عليهم، بل غَلّب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمعنى على إرادة الجميع.
السُّؤال الثاني : هلا قيل :" تعبدون " لأجل " اعبدوا " أو اتقوا لمكان " تتقون " ليتجاوب طرفا النظم ؟ وأجاب بأن التقوى ليست غير العبادة حتى يؤدي ذلك إلى تنافر النَّظْم، وإنَّما التقوى قصارى أمر العابد، وأقصى جهده.
٤١٢
قال أبو حَيَّان : وأما قوله : ليتجاوب طرفا النَّظم، فليس بشيء ؛ لأنه لا يمكن هنا تجاوب طرفي النظم، إذ يصير اللفظ : اعبدوا ربكم لعلكم تعبدون، أو اتقوا ربكم لعلكم تتقون، وهذا بعيد في المعنى ؛ إذ هو مثل : اضرب زيداً لعلك تضربه، واقصد خالداً لصحّته أن يكون " لعلكم تتقون " متعلّقاً بقوله :" اعبدوا " فالَّذي نودوا لأجله هو الأمر بالعبادة، فناسب أن يتعلّق بها ذلك، وأتى بالموصول وصلته في سبيل التوضيح، أو المدح الذي تعلقت به العبادة، فلم يُجَأْ بالموصول ليحدّث عنه، بل جاء في ضمن المقصود بالعيادة، فلم يكن يتعلّق به دون المقصود، وأجاب بعضهم عن كلام الزمخشري بأنه جعل " لعل " متعلّقة بـ " خلقكم " لا بـ " اعبدوا "، فلا يصير التقدير : اعبدوا لعلكم تعبدون، وإنما التقدير : اعبدوا الذي خلقكم لعلكم تعبدون ؛ أي خلقكم لأجل العبادة، يوضِّحه :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات : ٥٦].
وفي " لَعَلّ " لغاتٌ كثيرةٌ، وقد يُجَرُّ بها ؛ قال :[الوافر] ٢٧٩ - لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا
بِشَيْءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٥
ولا تنصب الاسمين على الصحيح، وقد تدخل " أَنْ " في خبرها ؛ حملاً على " عَسَى " ؛ قال :[الطويل] ٢٨٠ - لَعَلَّكَ يَوْماً أنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ
.......................