قوله :﴿أَنْفِقُواْ﴾ : مفعوله محذوفٌ، تقديره : شيئاً ممَّا رزقناكم، فعلى هذا ﴿مِمَّا رَزَقْنَاكُم﴾ متعلّقٌ بمحذوفٍ في الأصل لوقوعه صفةً لذلك المفعول، وإن لم تقدِّر مفعولاً محذوفاً، فتكون متعلِّقة بنفس الفعل.
و " مَا " يجوز أن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوفٌ، أي : رزقناكموه، وأن تكون مصدريَّةً، فلا حاجة إلى عائدٍ، ولكن الرّزق المراد به المصدر لا ينفق، فالمراد به اسم المفعول، وأن تكون نكرةً موصوفةً وقد تقدَّم تحقيق هذا عند قوله تعالى :﴿وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة : ٣].
قوله :﴿مِّن قَبْلِ﴾ متعلِّقٌ أيضاً بأنفقوا، وجاز تعلُّقُ حرفين بلفظٍ واحدٍ بفعلٍ واحدٍ لاختلافهما معنًى ؛ فإنَّ الأولى للتَّبعيض والثانية لابتداء الغاية، و " أَنْ يَأْتي " في محلِّ جرٍّ بإضافة " قبل " إليه، أي : من قبل إتيانه.
وقوله :﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ﴾ إلى آخره : الجملة المنفيَّة صفةٌ لـ " يَوم " فمحلُّها الرَّفع.
وقرأ " بَيْعٌ " وما بعده مرفوعاً منوناً نافع والكوفيون وابن عامر، وبالفتح أبو عمرو وابن كثير، وتوجيه ذلك تقدم في قوله تبارك وتعالى :﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ﴾ [البقرة : ١٩٧].
والخلَّة : الصَّداقة، كأنها تتخلَّل الأعضاء، أي : تدخل خلالها، أي وسطها.
والخلَّة : الصديق نفسه ؛ قال :[الطويل] ١١٧٣ - وَكَانَ لَهَا في سَالِفِ الدَّهْرِ خُلَّةٌ
يُسَارِقُ بِالطَّرْفِ الخِبَاءَ المُسَتَّرَا
وكأنه من إطلاق المصدر على العين مبالغةً، أو على حذف مضافٍ، أي : كان لها ذو خلَّة، والخليل : الصَّديق لمداخلته إيَّاك، ويصلح أن يكون بمعنى فاعل، أو مفعول، وجمعه " خُلاَّن "، وفعلان جمع فعيل يقل في الصّفات، وإنما يكثر في الجوامد نحو :" رُغْفَانٍ ".
قال القرطبيُّ : والخُلَّة : خالص المودَّة [مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين والخِلالة والخَلالة، والخُلالة : الصداقة، والمودة] ؛ قال الشاعر :[المتقارب] ١١٧٤ - وَكَيْفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ
خِلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٩
وأبو مرحب كنية الظِّلّ، ويقال : هو كنية عرقوب الذي قيل فيه :" مواعيد عرقوب ".
٣١٠
والخَلَّة - بالضَّمِّ - أيضاً - ما خالل من النبت يقال : الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها.
والخَلَّة :- بالفتح - الحاجة والفقر، يقال : سدَّ خلته، أي : فقره.
والخِلَّة بالكسر ابن مَخَاض، عن الأصمعي : يقال أتاهم بقرص كأنَّه فِرْسِنُ خلة.
والأنثى خلَّة أيضاً، والخلّة : الخمرة الحامضة.
والخِلَّة - بالكسر - واحدة خلل السُّيوف، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السُّيوف منقوشة بالذَّهب وغيره، وهي أيضاً سُيُور تلبس ظهور سيتي القوس، والخلّة أيضاً ما يبقى بين الأسنان.
و " هم " يجوز أن تكون فصلاً أو مبتدأ ثانياً، و ﴿الظَّالِمُونَ﴾ خبره والجملة خبر الأوَّل.
فصل قالت المعتزلة : لما أمر بالإنفاق من كلِّ ما كان رزقاً، وبالإجماع لا يجوز الإنفاق من الحرام وجب القطع بأنَّ الرّزق لا يكون إلاّ حلالاً.
وأجاب ابن الخطيب : بأنَّ الأصحاب مخصَّصة بالأمر بالإنفاق ما كان رزقاً حلالاً أو حراماً.
واختلفوا في هذه النَّفقة، فقال الحسن : هذا الأمر مختص بالزكاة قال : لأنَّ قوله ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ﴾ كالوعد والوعيد، ولا يتوجه الوعيد إلاَّ على الواجب، وهو قول السُّدي.
وقال الأكثرون : هذا الأمر يتناول الواجب، والمندوب وليس في الآية وعيد، فكأنه قال : حصلوا منافع الآخرة حين تكونون في الدُّنيا، فإنكم في الآخرة لا يمكنكم تحصيلها.
٣١١


الصفحة التالية
Icon