ومنها دخول حروف الجر، والإسناد إليها.
وتقدَّم [الكلام] في اشتقاق القرية.
قوله :" وهي خَاوِيَةٌ " هذه الجملة فيها خمسة أوجهٍ : أحدها : أن تكون حالاً من فاعل " مَرَّ " والواو هنا رابطةٌ بين الجملة الحالية وصاحبها، والإتيان بها واجبٌ ؛ لخلوِّ الجملة من ضمير يعود إليه.
الثاني : أنها حالٌ من " قرية " : إمَّا على جعل " عَلَى عُرُوشِهَا " صفةٌ لقرية على أحد الأوجه الآتية في هذا الجارِّ، أو على رأي من يجيز الإتيان بالحال من النكرة مطلقاً ؛ وهو ضعيف عند سيبويه.
الثالث : أنها حالٌ من " عُرُوشِهَا " مقدَّمةٌ عليه، تقديره : مرَّ على قرية على عروشها خاويةٌ.
الرابع : أن تكون حالاً من " هَا " المضاف إليها " عُرُوش " قال أبو البقاء :" والعَامِلُ مَعْنَى الإِضَافَةِ، وهو ضَعِيفٌ مع جوازه " انتهى.
والذي سهَّل مجيء الحال من المضاف إليه، كونه بعض المضاف ؛ لأنَّ " العُرُوشَ " بعض القرية، فهو قريب من قوله تعالى :﴿مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً﴾ [الحجر : ٤٧].
٣٤٨
الخامس : أن تكون الجملة صفةً لقرية، وهذا ليس بمرتضى عندهم ؛ لأنَّ الواو لا تدخل بين الصفة والموصوف، وإن كان الزمخشريُّ قد أجاز ذلك في قوله تعالى :﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الحجر : ٤] [فجعل :" وَلَهَا كِتَابٌ " ] صفةً، قال :" وتَوَسَّطَتِ الواوُ ؛ إيذاناً بإلصاق الصفة بالموصوف " وهذا مذهب سبقه إليه أبو الفتح ابن جنِّي في بعض تصانيفه، وفي ما تقدَّم، وكأنَّ الذي سهَّل ذلك تشبيه الجملة الواقعة صفةً، بالواقعة حالاً، لأنَّ الحال صفةٌ في المعنى، ورتَّب أبو البقاء جعل هذه الجملة صفةً لقرية، على جواز جعل " عَلَى عُرُوشِهَا " بدلاً من " قَرْيَةٍ " على إعادة حرف الجرِّ، ورتَّب جعل " وَهِي خَاوِيَةٌ " حالاً من العروش، أو من القرية، أو من " ها " المضاف إليها، على جعل " عَلَى عُرُوشِهَا " صفةٌ للقرية، وهذا نصُّه، قد ذكرته ؛ ليتضح لك، فإنه قال : وقد قيل : هو بدلٌ من القرية تقديره : مرَّ على قريةٍ على عروشها، أي : مَرَّ على عروش القرية، وأعاد حرف الجرِّ مع البدل، ويجوز أن يكون " عَلَى عُرُوشِهَا " على هذا القول صفةً للقرية، لا بدلاً، تقديره : على قرية ساقطةٍ على عروشها، فعلى هذا لا يجوز أن تكون " وَهِيَ خَاوِيَةٌ " حالاً من العروش وأن تكون حالاً من القرية ؛ لأنها قد وصفت، وأن تكون حالاً من " هَا " المضاف إليه، وفي هذا البناء نظرٌ لا يخفى.
قوله :﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ فيه أربعة أوجهٍ : أحدها : أن يكون بدلاً من " قرية " بإعادة العامل.
الثاني : أن يكون صفةً لـ " قَرْيَةٍ " كما تقدَّم فعلى الأول : يتعلَّق بـ " مَرَّ " ؛ لأنَّ العامل في البدل العامل في المبدل منه، وعلى الثاني : يتعلَّق بمحذوفٍ، أي : ساقطةٍ على عروشها.
الثالث : أن يتعلَّق بنفس خاوية، إذا فسَّرنا " خَاوِيَةٌ " بمعنى متهدِّمة ساقطة.
الرابع : أن يتعلَّق بمحذوفٍ يدلُّ عليه المعنى، وذلك المحذوف قالوا : هو لفظ " ثَابِتَةٌ " ؛ لأنهم فسَّروا " خَاوِيَةٌ " بمعنى : خاليةٌ من أهلها ثابتةٌ على عروشها، وبيوتها قائمة لم تتهدَّم، وهذا حذفٌ من غير دليلٍ، ولا يتبادر إليه الذهن، وقيل :" عَلَى " بمعنى " مَعَ "، أي : مع عروشها، قالوا : وعلى هذا فالمراد بالعروش الأبنية.
وقيل :" عَلَى " بمعنى " عَنْ " أي : خاويةٌ عن عروشها، جعل " عَلَى " بمعنى " عَنْ " كقوله :﴿إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ﴾ [المطففين : ٢] أي : عنهم.
والخاوي : الخالي.
يقال : خوت الدار تخوي خواءً بالمد، وخويّاً، وخويت - أيضاً - بكسر العين تَخْوَى خَوّى بالقصر، وخَوْياً، والخَوَى : الجوع ؛ لخلوِّ البطن من الزَّاد.
والخويُّ على فعيل : البطن السَّهل من الأرض، وخوَّى البعير : جَافَى جنبه عن الأرض ؛ قال القائل في ذلك :[الرجز]
٣٤٩
١١٩٨ - خَوَّى عَلَى مُسْتَوِيَاتٍ خَمْسِ
كِرْكِرَةٍ وَثَفِنَاتٍ مُلْسِ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٦
ومنه الحديث :" كان النبي - ﷺ - إِذَا سَجَدَ خَوَّى " أي : خلا عن عضده، وجنبيه، وبطنه، وفخذيه، وخوَّى الفرس ما بين قوائمه، ويقال للبيت إذا انهدم خوى ؛ لأنه بتهدمه يخلو من أهله، وكذلك خوت النجوم وأخوت إذا سقطت.
والعُرُوشُ : جمع عرش، وهو سقف البيت، وكذلك كلُّ ما هُيِّىءَ ليستظلَّ به، وقيل : هو البنيان نفسه ؛ قال القائل في ذلك :[الكامل] ١١٩٩ - إِنْ يَقْتُلُوكَ فَقَدْ ثَلَلْتَ عُرُوشَهُمْ
بِعُتَيْبَةَ بْنِ الحَارِثِ بِنْ شِهَابِ


الصفحة التالية
Icon