أي : وإن كان فقيراً تزوجته.
وتكون " إن " نافية فتعمل وتهمل، وتكون مخففة وزائدة باطِّراد وعدمه، وأجاز بعضهم أن تكون بمعنى " إذا "، وبعضهم أن تكون بمعنى " قد "، ولها أَحْكَام كثيرة.
و " في ريب " خبر كان، فيتعلّق بمحذوف، ومحل " كان " الجزم، وهي إن كانت ماضية لفظاً فهي مستقبلة معنى.
وزعم المبرد أنَّ لـ " كان " الناقصة حكماً مع " إنْ "، ليس لغيرها من الأفعال
٤٣١
الناقصة، فزعم أّنه لقوة " كان " أنّ " إنْ " الشرطية لا تقلب معناها إلى الاستقبال، بل تكون على مَعْنَاها من المُضِيّ، وتبعه في ذلك أبو البَقَاءِ، وعلل ذلك بأن كثيراً استعملوها غير دالّة على حدث، وهذا مردود عند الجمهور، لأن التعليق إنما يكون في المستقبل، وتأولوا ما ظاهره غير ذلك نحو :﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ﴾ [يوسف : ٢٦] إما بإضمار " يكن " بعد " إن "، وإما على التبيين، والتقدير :" إن يكن قميصه، أو إن يتبين كونه قميصه " ولما خفي هذا المعنى على بعضهم جعل " إن " هنا بمنزلة " إذ " وقوله :" في ريب " مجاز من حيث إنه يجعل الريب ظرفاً محيطاً بهم، بمنزلة المكان لكثرة وقوعه منهم.
و " مِمَّا " يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة لريب، فهو في محل جَرّ، و " من " للسَّببية، أو لابتداء الغاية، ولا يجوز أن تكون للتبعيض، ويجوز أن تتعلّق بـ " ريب " أي : إن ارتبتم من أجل، فـ " من " هُنا للسَّببية، و " ما " موصولة أو نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف، أي : نزلناه، والتضعيف في " نَزّلنا " هنا للتعدية مرادفاً لهمزة التعدي، ويدلّ عليه قراءة " أنزلنا " بالهمز، وجعل الزمخشري التضعيف هنا دالاًّ على نزوله منجماً في أوقات مختلفة.
قال بعضهم :" وهذا الذي ذهب إليه في تضعيف الكلمة هنا، هو الَّذي يعبر عنه بالتكثير أي يفعل مرة بعد مرة، فيدل على ذلك بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة " قال :" وذهل عن قاعدة، وهي أن التضعيف الدّال على ذلك من شرطه أن يكون في الأفعال المتعدّية قبل التضعيف غالباً نحو :" جَرَّحْتُ زِيْداً، وفَتَّحْتُ الباب "، ولا يقال جَلَّس زيدٌ " و " نَزَّل " [لأنه] لم يكن متعدياً قبل التضعيف، وإنَّ ما جعله متعدياً تضعيفه ".
وقوله :" غالباً " لأنه قد جاء التضعيف دالاًّ على الكثرة في اللاَّزم قليلاً نحو :" مَوَّت المال "، وأيضاً فالتضعيف الدَّال على الكثرة لا يجعل القاصر متعدياً، كما تقدم في " مَوَّتَ المال " و " نَزَّل " كان قاصراً فصار بالتضعيف متعدياً، فدلّ على أنَّ تضعيفه للنقل لا للتكثير، وأيضاً كان يحتاج قوله تعالى :﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان : ٣٢] إلى تأويل، وأيضاً فقد جاء التضعيف حيث لا يمكن فيه التكثير، نحو قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ [الأنعام : ٣٧]، ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً﴾ [الإسراء : ٩٥] إلا بتأويل بعيد جدًّا، إذ ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول [آية، ولا أنه علق تكرير نزول] مَلَك رسول على تقدير كون ملائكة في الأرض.
٤٣٢
وفي قوله :﴿نَزَّلْنَا﴾ التفات من الغيبة إلى التكلّم ؛ لأن قبله :﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ [البقرة : ٢١] جاء الكلام عليه لقيل :" مما نزّل عَلَى عَبْدِهِ " ولكن التفت للتفخيم.
و " عَلَى عَبْدِنَا " متعلّق بـ " نَزَّلْنَا " وعُدِّي بـ " على " لإفادتها الاستعلاء، كأن المنزل تمكّن من المنزول عليه ولبسه، ولهذا جاء أكثر القرآن بالتعدّي بها دون " إلى " فإنها تمكّن من المنزول عليه ولبسه، ولهذا جاء أكثر القرآن بالتعدّي بها دون " إلى " فإنها تفيد الانتهاء والوصول فقط، والإضافة في " عبدنا " تفيد التشريف ؛ كقوله :[السريع] ٢٨٨ - يَا قَوْمِ قَلْبي عِنْدَ زَهْرَاءِ
يَعْرِفُهُ السَّامِعُ وَالرَّائِي
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٩
لاَ تَدْعُنِي إلاَّ بِيَا عَبْدَهَا
فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
وقرئ " عبادنا " فقيل : المراد النبي - عليه الصلاة والسلام - وأمته ؛ لأن جدوى المنزل حاصل لهم.
وقيل : المراد بهم جميع الأنبياء عليهم السلام.
والعبد : مأخوذ من التعبد، وهو التذلل ؛ قال طَرَفَةُ :[الطويل] ٢٨٩ - إِلَى اَنْ تَحَامَتْنِي العَشِيرَةُ كُلُّهَا
وأُفْرِدْتُ إِفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ


الصفحة التالية
Icon