اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله.
والجواب : إذا ظهر عجزهم عن المُعَارضة صَحّ عندهم صدق رسول الله ﷺ، وإذا صَحّ ذلك ثم لزموا العِنَادَ استوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله :﴿فَاتَّقُواْ النَّارَ﴾ قائماً مقام قوله : فاتركوا العناد، فأناب إبقاء النار منابه.
و " الحجارة " روي عن ابن مسعود والفراء - رضي الله تعالى عنهما - أنها حجارة الكبريت، وخصّت بذلك ؛ لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب : سرعة الإيقاد، ونتن الرائحة، وكثرة الدُّخَان، وشدّة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا حميت.
وقيل : المراد بالحجارة الأصنام، لأنهم لما قرنوا أنفسهم بها في الدنيا حيث نحتوها أصناماً، وجعلوها أنداداً لله، وعبدوها من دونه قال تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء : ٩٨] وفي معنى " الناس والحجارة " و " حصب جهنم " في معنى " وقودوها ".
ولما اعتقد الكفار في حجارتهم المعبودة من دون الله أنها الشّفعاء، والشهداء الذين يشفعون لهم، ويستدفعون بها المضار عن أنفسهم جعلهم الله عذابهم، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغاً في تحسيرهم، ونحوه ما يفعل بالكافرين الذين جعلوا ذهبهم وفضتهم عدة وذخيرة فشحُّوا بها، ومنعوها من الحقوق، حيث يحمى عليها في نار جهنّم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
قال ابن الخطيب : والقول بأنها حجارة الكبريت تخصيص بغير دليل، بل فيه ما يدلّ على فساده ؛ لأن الغرض هُنَا تفخيم صفة النَّار، والإيقاد بحجارة الكبريت أمر معتاد، فلا يدلّ الإيقاد بها على قوة النار.
أما لو حملنا على سائر الحجارة، دلّ على عظم أمر النار ؛ فإن سائر الأحجار تطفأ بها النيران، فكأنه قال : تلك النار نار بلغت لقوتها أن تتعلق في أوّل أمرها بالحجارة التي هي مطفئة لنيران الدُّنيا.
٤٤٢
قال القرطبي :" وليس في قوله تعالى :﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة : ٢٤] دليلٌ على أنه ليس فيها غير الناس والحجارة، بدليل ما ذكره في غير موضع، مع كون الجن والشياطين فيها " وروي عن النبي ﷺ أنه قال :" كلُّ مؤذٍ في النَّار " وفي تأويله وجهان : أحدهما : كل من آذى الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة بالنار.
والثاني : أن كل ما يؤذي النَّاس في الدنيا من السِّباع والهوام وغيرها في النار معدّ لعقوبة أهل النار.
وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي للكافرين خاصّة.
روى مسلم عن العباس بن عبد المطّلب - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله، إنّ أبا طالب كان يحوطك وينصرك، فهل ينفعه ذلك ؟ قال :" نعم، وَجَدْتُهُ في غَمَرَاتٍ من النَّارِ فأخرجته إلى ضَحْضَاحٍ ".
وفي رواية :" ولَوْلاَ أَنَا لكان في الدَّرَكِ الأَسْفَلِ من النار " ويدلُّ على هذا التأويل قوله :﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.
وقال ابن الخطيب : وليس فيها ما يدلُّ على أنه ليس هناك نيران أخر غير موصوفة بهذه الصِّفة، معدّة لفساق أهل الصلاة.
قوله تعالى :﴿أُعِدَّتْ﴾ فعلٌ لما لم يسمَّ فاعلُهُ، والقائم مقام الفاعل ضمير " النَّارِ "، والتاء واجبةٌ، لأن الفعل أسند إلى ضمير المؤنَّث، ولا يلتفتُ إلى قوله :[المتقارب]
٤٤٣
٣٠٤ - فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا
وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقَالَهَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٩
لأنه ضرورة ؛ خلافاً لابن كَيْسَان.
و " للكافرين " متعلّق به، ومعنى " أُعِِدَّتْ " : هُيِّئَتْ ؛ قال :[مجزوء الكامل] ٣٠٥ - أَعْدَدَتُ لِلْحَدَثَانِ سَا
بِغَةً وَعَدَّاءً عَلَنْدَى
وقرئ :" أُعْتِدَتْ " من العَتَاد بمعنى العدة، وهذه الجملة الظاهر انها لا محلّ
٤٤٤