تلويحاتٌ ومعاريضُ، وإلى هذا ذهب المؤرج السَّدُّوسي وجماعة، وفي وزنها ثلاثةُ أقوال : أحدها - وهو قول الخليل وسيبويه - أن وزنها فَوْعَلَة، وهذا الوزن قد وردت منه ألفاظ نحو الدَّوْخَلَة والقَوْصرة والدَّوْسَرة والصَّوْمَعة، والأصل : وَوْرَيَة - بواوين ؛ لأنها إما من وَرِيَ الزَّنْدُ، وإما من وَرَّيْتُ في كلامي، فأبدلت الواو الأولى تاءٌ، وتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفاً فصار اللفظ " توراة " - كما ترى - وكُتِبَت بالياء، تنبيهاً على الأصل، كما أميلت لذلك، وقد أبدلت العرب التاء من الواو في ألفاظ نحو تَوْلَج، وتَيْقُور، وتُخَمَة، وتُراث وتُكأة وتُجَاه وتُكْلاَن، من الوُلُوج والوَقَار والوَخَامة والوِرَاثة والوكَاء والوَجْه والوكَالة، ونظير إبدال الواو تاء في التوراة إبدالها أيضاً من قولهم - لما تراه المرأة في الطُّهْرِ بعد الحيض - : التَّرِيَّة، هي فعيلة من لفظ الوراء ؛ لأنها تُرَى بعد الصُّفرة والكُدْرة.
الثاني : وهو قول الفراء : أن وزنها تَفْعِلَة - بكسر العين - فأبدلت الكسرة فتحة، وهي لغة طائية، يقولون في الناصية : نَاصَاة، وفي جارية : جَارَاة، وفي نَاجِيَة : نَاجَاة، قال الشاعِرُ :[الطويل]
١٧
١٣١٨ -....................
فَخَرَّتْ كَنَاصَاةِ الْحُصَانِ الْمُشَهَّرِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣
وقال آخر :[المنسرح] ١٣١٩ -...................
نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ
وأنشد الفرَّاءُ :[الوافر] ١٣٢٠ - فَمَا الدُّنْيَا بِبَاقَاةٍ لِحَيٍّ
وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا بِبَاقِ
وقد رد البصريون ذلك بوجهَيْن : أحدهما : أن هذا البناء قليل جدًّا - أعني بناء تفعلة - بخلاف فَوْعَلَة، فإنه كثير، فالحمل على الأكثر أولى.
الثاني : أنه يلزم منه زيادة التاء أولاً، والتاء لم تُزَد - أوَّلاً - إلا في مواضع ليس هذا منها، بخلاف قلبها في أول الكلمة، فإنه ثابت، وذلك أن الواو إذا وقعت أولاً قُلبت إما همزة نحو أجُوه وأُقِّتَتْ وإشَاح - في : وجوه ووُقِّتَتْ ووِشَاح - وإما تاء نحو : تُجَاه وتُخْمَة، فاتباع ما عُهِد أولى من اتباع ما لم يُعْهَد.
الثالث : أن وزنها " تَفْعَلة " [بفتح العين] - وهو مذهب الكوفيين - كما يقولون في تَفْعُلَة - بالضم - تَفْعَلَة - بالفتح - وهذا لا حاجة إليه، وهو أيضاً دعوى لا دليل عليها.
وأَمَالَ " التوراة " - حيث ورد في القرآن - إمالة محضة أبو عمرو والكسائي وابن عامر في رواية ابن ذكوان وأمالها بين بين حمزة وورش [عن نافع]، واختلف عن قالون، فروي عنه بين بين والفتح، وقرأها الباقون بالفتح فقط، ووجه الإمالة إن قلنا إن ألفها [منقلبة عن ياء ظاهر، وإن قلنا : إنها أعجمية لا اشتقاق لها، فوجه الإمالة شبه ألفها
١٨
لألف] التأنيث من حيث وقوعها رابعة، فسبب إمالتها، إما الانقلاب، وإما شبه ألف التأنيث.
والإنجيل ؛ قيل : إفعيل كإجفيل، وفي وزنه أقوال : أحدها : أنه مشتق من النَّجْل، وهو الماء الذي ينز من الأرض ويخرج منها، ومنه النجْل للولد، وسمي الإنجيل ؛ لأنه مستخرج من اللوح المحفوظ.
وقيل : من النجل وهو الأصل، ومنه النجل للوالد، فهو من الأضداد ؛ إذ يُطْلَق على الولد والوالد، قال الأعشى :[المنسرح] ١٣٢١ - أنْجَبَ أيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ
إذْ نَجَلاَهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ
وقيل : من النجل - وهو التوسعة - ومنه العين النجلاء، لسعتها، ومنه طعنة نجلاء وسمي الإنجيل بذلك ؛ لأن فيه توسعةً لم تكن في التوراة ؛ إذْ حلل فيه أشياء كانت محرمة.
وقيل : هو مشتق من التناجل وهو : التنازع، يقال : تناجل الناسُ أي : تنازعوا، وسُمِّي الإنجيل بذلك لاختلاف الناس فيه، قاله أبو عمرو الشيباني.
والعامة على كسر الهمزة من " إنجيل "، وقرأ الحسن بفتحها.
قال الزمخشري : وهذا يدل على أنه أعجمي ؛ لأن أفعيلاً - بفتح الهمزة - قليل عديم في أوزان العرب.
قلت : بخلاف إفعيل - بكسرها - فإنه موجود نحو : إجفيل وإخريط وإصليت.
١٩