هذا الفعلُ المُحْكَم المتقَن على كمال علمه وقدرته.
قوله :﴿فِي الأَرْضِ﴾ يجوز أن يتعلق بـ " يَخْفَى "، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " شيء ".
فصل المراد بقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ﴾ أي : لا يخفى عليه شيء.
فإن قيل : ما فائدة قوله :" فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ " مع أنه لو أطلق لكان أبلغ ؟
٢٥
فالجواب : أن الغرض منه إفهام العباد كمال علمه، وفهمهم هذا المعنى عند ذكر السموات والأرض أقوى ؛ لأن الحس يرى عظمة السموات والأرض، فيُعين العقل على معرفة عظمة علم الله تعالى، والحس متى أعان العقل على المطلوب كان الفهم أتم، والإدراك أكمل، ولذلك فإن المعانيَ الدقيقةَ إذا أريد إيضاحُها ذُكِر لها مثال ؛ فإن المثال يُعِين على الفهم.
قوله :﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ﴾ تحتمل هذه الجملة أن تكون مستأنفةً سيقت لمجرد الإخبار بذلك، وأن تكون في محل رفع خبراً ثانياً لإنَّ.
قوله :﴿فِي الأَرْحَامِ﴾ يجوز أن يتعلق بـ " يُصَوِّرُكُمْ " وهو الظاهر، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول " يُصَرِّرُكُمْ " أي : يصوركم وأنتم في الأرحام مُضَغٌ.
وقرأ طاوسُ : تَصَوَّرَكُمْ - فعلاً ماضياً - ومعناه : صوركم لنفسه، ولتعبدوه، وتَفَعَّل يأتي بمعنى فَعَّل، كقولهم : تأثلث مالاً، وأثَّلته، أي : جعلته أثلة أي : أصلاً، والتصوير : تفعيل من صاره، يصوره، أي : أماله وثناه، ومعنى صوره : جعل له صورة مائلة إلى شكل أبويه.
والصورة : الهيئة يكون عليها الشيء من تأليف خاص، وتركيب منضبط، قاله الواحدي وغيره.
والأرحام : جمع رحم، وأصلها الرحمة، وذلك لأن الاشتراك في الرحم يوجب الرحمة، والعطف، فلهذا سُمِّيَ العُضْوُ رَحِماً.
قوله :﴿كَيْفَ يَشَآءُ﴾ في أوجه : أظهرُها : أنَّ " كَيْفَ " للجزاء، وقد جُوزِيَ بها في لسانهم في قولهم : كيف تَصْنَعُ أصنع، وكيف تكونُ أكونُ، إلا أنه لا يُجْزَمُ بهما، وجوابها محذوف ؛ لدلالة ما قبلها عليه، وكذلك مفعول " يشاء " لما تقدم أنه لا يُذْكَر إلا لغرابة والتقدير : كيف يشاء تصويركم يصوركم، فحذف تصويركم ؛ لأنه مفعول " يَشَاءُ " ويصوركم ؛ لدلالة " يُصَوِّرُكُمْ " الأول عليه، ونظيره قولهم : أنت ظكالم إن فعلتَ، تقديره : أنت ظالم إن فعلتَ فأنتَ ظالمٌ.
وعند مَنْ يُجيز تقديمَ الجزاء في الشرط الصريح يجعل " يُصَوِّرُكُمْ " المتقدم هو الجزاء، و " كَيْفَ " منصوب على الحال بالفعل بعده، والمعنى : على أي حالٍ شاء أن يصوركم صوركم، وتقدم الكلام على ذلك في قوله " كيف تكفرون " ولا جائز أن
٢٦


الصفحة التالية
Icon