والأبصار ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دينك " ومعناه ما ذكرنا، وقال ﷺ :" مَثَلُ الْقلبِ كَرِيشَةٍ بأرْضٍ فَلاَةٍ تُقلبُهَا الرِّياحُ ظَهْراً لِبَطْنٍ ".
وقالت المعتزلةُ : الزيغُ لا يجوز أن يكون بفعل الله ؛ لقوله تعالى :﴿فَلَمَّا زَاغُوا ااْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف : ٥]، وهذا صريح في أن ابتداء الزيغ منهم.
والجوابُ : أن مذهبهم أن كل ما صح في قدرة الله تعالى أن يفعل في حقهم لُطْفاً، وجب عليه ذلك وجوباً لو تركه لبطلت إلاهيته، ولصار محتاجاً، والشيء الذي يكون كذلك فأي حاجةٍ إلى طلبه بالدعاء ؟ فإن قيل : فما الجواب عن قوله :﴿فَلَمَّا زَاغُوا ااْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ ؟ قلنا : لا يبعد أن الله تعالى يُزيغهم ابتداء، فعند ذلك يزيغون، ثم يترتب على الزيغ إزاغة أخرى سوى الأولى من الله تعالى، ولا منافاةَ فيه.
وقوله :﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾، أي : جعلتنا مهتدين، وهذا صريحٌ أيضاً في أن حصولَ الاهتداءِ في القلب بتخليق اللهِ تعالى.
قوله :﴿وَهَبْ لَنَا﴾ الهِبَة : العَطِيَّة، حذفت فاؤها، وكان حق عين المضارع منها كسر العين منه، إلا أن ذلك منعه كونُ العين حرفَ حَلْقٍ، فالكسرة مقدَّرة، فلذلك اعتبِرَت تلك الكسرةُ المقدرةُ فحذفت لها الواو وهذا نحو :" يضع " و " يسع "، لكون اللام حرف حلقٍ، ويكون " هَبْ " فعل أمر بمعنى اعتقد، فيتعدى لمفعولين.
كقوله :[المتقارب] ١٣٣٤ -........................
وَإلاَّ فَهَبْنِي أمْرَأ هالِكا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١
وحينئذ لا يتصرف.
ويقال أيضاً : وَهَبني الله فِداك، أي : جعلني، ولا يتصرف أيضاً عن الماضي بهذا المعنى.
٤٤
قوله :" مِنْ لَدُنْكَ " متعلق بـ " هَبْ "، و " لَدُنْ " ظرف، وهي لأول غاية زمان أو مكان، أو غيرها من الذوات نحو : من لدن زيد، فليست مرادفة لِ " عِنْد "، بل قد تكون بمعناها، وبعضهم يقيدها بظرف المكانِ، وتضاف لصريح الزمانِ.
قال :[الراجز] ١٣٣٥ - تنتَهِضُ الرِّعْدَةُ فِي ظُهَيْرِي
مِن لَدُنِ الظُّهْرِ إلَى الْعُصَيْرِ
ولا يُقْطع عن الإضافة بحال، وأكثر ما تضاف إلى المفردات، وقد تُضاف إلى " أنْ " وَصِلَتها ؛ لأنهما بتأويل مفردٍ.
قال :[الطويل] ١٣٣٦ - وُلِيتَ فَلَمْ تَقْطَعْ لَدُنْ أنْ وَلِيتَنَا
قَرَابَةَ ذِي قُرْبَى وَلاَ حَقَّ مُسْلِمِ
أي : لدن ولايتك إيانا، وقد تضاف إلى الجملة الاسمية.
كقوله :[الطويل] ١٣٣٧ - وَتَذْكُرُ نُعْمَاهُ لَدُنْ أنْتَ يَافِعٌ
إلَى أنْتَ ذُو فَؤْديْنِ أبيضَ كَالنَّسْرِ
وقد تُضَافُ للفعلية.
كقوله :[الطويل] ١٣٣٨ - لزمْنَا لَدُنْ سَالَمْتُمُونَا وِفَاقَكُمْ
فَلاَ يَكُ مِنْكُمْ لِلْخِلاَفِ جُنُوحُ
وقال آخرُ :[الطويل] ١٣٣٩ - صَرِيعُ غَوانٍ رَاقَهُنَّ وَرُقْنَهُ
لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائِبِ
وفيها لغتان : الإعراب، وهي لغة قَيْس، وبها قَرَأ أبو بكر عن عاصم ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ [النساء : ٤٠] - بجر النون -، وقوله :[الرجز]
٤٥
١٣٤٠ -.......................
مَنْ لَدُنِ الظُّهْرِ إلَى العُصَيْرِ
ولا تخلو من " من " غالباً، قاله ابنُ جني، ومن غير الغالب ما تقدم من قوله : ١٣٤١ -.............
لَدُنْ أنت يافع
...........................
وإن وقع بعدها لفظ " غدوة " خاصة - جاز نصبها، ورفعها، فالنصب على خبر " كان " أو التمييز والرفع على إضمار " كَانَ " التامة، ولولا هذا التقدير لزم إفراد " لَدُن " عن الإضافة، وقد تقدم أنه لا يجوز، فمن نَصْب " غدوة " قوله :[الطويل] ١٣٤٢ - فَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمُ
لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤١