أي : بالدِّيار، ولا يجوزُ الجَرُّ إلاَّ في نادرِ شِعْرٍ ؛ كقوله :[الطويل] ٣١٣ - إِذَا قِيلَ : أيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ ؟
أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ
أي : إلى كُلَيْبٍ ؛ قول الآخر :[الكامل] ٣١٤ -............................
حَتًَّى تَبْذَّخَ فَارْتَقَى الأعْلاَمِ
أي : إلى الأَعْلاَم.
٤٤٩
و " الجَنَّةُ " : البُسْتَانُ.
وقيل : الأرضُ ذات الشَّجرِ، سمّيت بذلك لسترها من فيها، ومنه " الجَنِينُ " لاستتاره، و " المِجَنُّ " : التُّرْسُ، وكذلك " الجُنَّةُ " لاستتارهم عن أَعْيُنِ النَّاسِ.
قال الفرَّاءُ :" الجنَّةُ " ما فيه النخيل، و " الفردوس " : ما فيه الكرم.
فإن قيل : لم نُكِّرت " الجنَّاتُ " وعُرِّفت " الأنهار " ؟ فالجواب : أنَّ " الجنَّة " اسم لدار الثَّواب كلها، وهي مشتملةٌ على جنّات كثيرة مُرَتَّبةٌ مراتبَ على استحقاقات العاملين، لكل طبقةٍ منهم جنةٌ من تلك الجنَّات.
وأمَّا تعريف " الأنهار "، فالمرادُ به الجنس، كما يقال : لفلان بستانٌ فيه الماء الجاري والتين والعنب، يشيرُ إلى الأجناس التي في علم المخاطب، أو يشار باللام إلى أنهاٍ مذكورةٍ في قوله :﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ [محمد : ١٥].
قوله :﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ هذه الجملة في محلّ نصبٍ، لأنَّها صفةٌ لـ " جنَّات ".
و " تَجْري " مرفوع لتجرُّدِه من الناصب والجازم، وعلامةُ رفعه ضمّةٌ مقدرةٌ في " الياء " استثقالاً، وكذلك تقدَّرُ في كُلٍِّ فَعْلٍ مُعْتَلٍّ نحو :" يَدْعو "، و " يَخْشَى "، إلاَّ أنَّها تُقَدَّرُ في " الأَلِفِ " تعذُّراً.
" من تحتها " أي : من تحت أَشْجَارها ومساكنها.
وقيل : من تحتها أي : بأمرهم.
كقول فرعون :﴿تَجْرِي مِن تَحْتِى ﴾ [الزخرف : ٥١] أي : بأمري.
و " الأنهارُ " جمعُ نَهْرٍ بالفتح، وهي اللُّغةُ العالية، وفيه تسكين " الهاء " ولكن " أفعال " لا ينقاس في " فَعْل " السَّاكن العين، بل يحفظ نحو :" أَفْراخ "، و " أَزْنَاد "، و " أفراد.
و " النَّهرُ " : دونَ البحرِ، وفوق الجدول، وهل هو مجرى الماءِ، أو الماء الجاري نفسُه ؟ والأوَّلُ أظهرُ ؛ لأنًَّه مشتقٌّ من " نَهَرَُ " أي : وَسَّعْتُ.
قال قَيْسُ بن الخطِيمِ يصفُ طَعْنَةً :[الطويل] ٣١٥ - مَلَكْتُ بِهَا كَفَِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا
.............................
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥
٤٥٠
أي : وَسَّعْتُ.
ومنه :" النَّهارُ " لاتِّساع ضوئِهِ، وإنَّما أُطْلِقَ على الماء مجازاً إطلاقاً للمحلِّ على الحالِّ.
ومنه قوله عليه السَّلامُ :" ما أَنْهَرَ الدَّمَ " معناه : ما وسَّعَ الذَّبْحَ ؛ حَتَّى يجري الدَّم كالنَّهْرِ، وجمعُ النَّهرِ : نَهَرٌ وأَنْهَارٌ، وَنَهْرٌ نَهِرٌ : كثير الماء.
قال أبو ذُؤَيب :[المتقارب] ٣١٦ - أَقَامَتْ بِهِ وَابْتَنَتْ خَيْمَةً
عَلَى قَصَبٍ وَفُرَاتٍ نَهِرْ
ورُوِيَ أنَّ أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنَّما تجري على سطح الجنَّةِ منبسطة بالقدرة، والوقفُ على " الأنهار " حَسَنٌ وليس بتامٍّ و " من تَحْتِهَا " متعلقٌ بـ " تجري "، و " تحت " مكانٌ لا يتصرَّفُ، وهو نقيض " فوق "، إذا أُضِيفَا أُعْرِبَا، وإذا قَطِعَا بنيا على الضَّمِّ.
و " مِنْ " لابتداء الغاية.
وقيل : زائدةٌ.
وقيل : بمعنى " في "، وهما ضعيفان.
واعلم أنَّهُ إذا قيل بأنَّ الجَنَّة هي الأرضُ ذاتُ الشَِّجرِ، فلا بُدَّ م حَذْفِ مضاف، أي : من تحت عَذْقِها أو أَشْجَارها.
وإن قيل : بأنَّها الشَّجَرُ نفسه، فلا حَاجَةَ إلى ذلك.
وإذا قيل : بأنَّ الأنهار اسمٌ للماء الجاري فَنِسْبَةُ الجَرْي إليه حقيقة، [وإن قيل بأنَّهُ اسمٌ للأُخْدُودِ الذي يَجْرِي فيه، فنسبةُ الجَري إليه] مجازٌ، كقول مهلهل :[الكامل]
٤٥١
٣١٧ - نُبِّئْتُ أَنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتِ
وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ المَجْلِسُ
قال أبو حيِّان : وقد ناقض ابن عطية كلامه هنا، فإنَّه قال :" والنهارُ : المياهُ في مجاريها المتطاولةِ الواسعةِ " ثمَّ قال : نُسِبَ الجريُ إلى النَّهْرِ، وإنَّمَا يجري الماءُ وحدّث توسُّعاً وتجوُّزاً، كما قال :﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف : ٨٢] وكما قال :[الكامل] ٣١٨ب - نُبِّئْتُ أنَّ النَّارَ.................
..............................