عليهم، فهو أبلغ في القدرة.
ويجوز أن يعود المنصوب على المسلمين، والمجرور على المشركين، أي : ترون - أيها اليهود المسلمين مثلي عدد المشركين ؛ مهابةً لهم، وتهويلاً لأمر المؤمنين، كما كان ذلك في حق المشركين - فيما تقدم من الأقوال -، ويجوز أن يعود المنصوب على المشركين، والمجرور على المسلمين، والمعنى : ترون - أيها اليهود لو رأيتم - المشركين مثلي عدد المؤمنين وذلك أنتم قُلِّلوا في أعينهم ؛ ليَحْصُل لهم الفزَعُ والغَمُّ ؛ لأنه كان يغمهم قلةُ المؤمنين، ويعجبهم كثرتهم ونصرتهم على المسلمين، حَسَداً وبَغْياً.
فهذه ثلاثة أوجهٍ مرتبة على الوجهِ الخامسِ، فتصير ثمانية أوجهٍ في قراءة نافع.
أما قراءة الباقين ففيها أوجه : أحدها : أنها كقراءة الخطاب، فكل ما قيل في المراد به الخطابُ هناك قيل به هنا، ولكنه جاء على باب الالتفاتِ من خطاب إلى غيبةٍ.
الثاني : في أن الخطاب في " لَكُمْ " للمؤمنين، والضمير المرفوع في " يَرَوْنَهُم " للكفار، والمنصوب والمجرور للمسلمين، والمعنى : يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المؤمنين - ستمائة ونيفاً وعشرين - أراهم الله - مع قتلهم - إياهم ضعفهم ؛ ليهابوهم، ويجبنوا عنهم.
الثالث : أن الخطاب في " لَكُم " للمؤمنين - أيضاً - والضمير المرفوع في " يَرَوْنَهُم " للكفار، والمنصوب للمسلمين، والمجرور للمشركين، أي : يرى المشركون [المؤمنين] مثلي عدد المشركين أراهم الله المؤمنين أضعافهم ؛ لما تقدم في الوجه قبله.
الرابع : أن يعود الضميرُ المرفوعُ في " يَرَوْنَهُم " على الفئة الكافرةِ ؛ لأنها جمع في المعنى، والضمير المنصوب والمجرور على ما تقدم من احتمال عودهما على الكافرين، أو [على] المسلمين، أو أحدهما لأحدهم.
والذي تقوى في هذه الآيةِ - من جميع الوجوه المتقدمةِ - من حيث المعنى أن يكون مدارُ الآيةِ على تقليل المسلمين، وتكثير الكافرين ؛ لأن مقصود الآية ومساقها للدلالةِ على قدرةِ الله الباهرةِ، وتأييده بالنصر لعباده المؤمنين مع قلة عددهم، وخُذْلان الكافرين مع كَثْرةِ عددهم وتحزبهم لنعلم أن النصر كله من عند الله، وليس سببه كثرتكم وقلةَ عدوِّكم، بل سببه ما فعله الله تعالى من إلقاء الرعب في قلوب أعدائكم، ويؤيده قوله بعد ذلك :﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ﴾ وقال في موضع آخر :﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً﴾ [التوبة : ٢٥].
٦٤
وقال أبو شامة - بَعْدَ ذِكر هذا المعنى وتقويته - : فالهاء في " يَرَوْنَهُمْ " للكفار، سواء قُرِئ بالغيبة أم بالخطاب، والهاء في " مِثلَيْهم " للمسلمين.
فإن قلت : إن كان المراد هذا فهلاَّ قيل : يَرَونَهُمْ ثلاثةَ أمثالهم، فكان أبلغ في الآية، وهي نَصْر القليل على هذا الكثير، والعدة كانت كذلك أو أكثر ؟ قلت : أخبر عن الواقع، وكان آية أخرى مضمومة إلى آيةِ البصر، وهي تقليل الكفارِ في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم فيه، وهو أن الواحد من المسلمين يَغْلِب الاثنين، فلم تكن حاجة إلى التقليل بأكثر من هذا، وفيه فائدةُ وقوع ما ضَمِنَ لهم من النصر فيه انتهى.
قال شهاب الدين :" وإلى هذا المعنى ذهب الفراء، أعني أنهم يرونهم ثلاثةَ أمثالهم فإنه قال : مثليهم : ثلاثة أمثالهم، كقول القائل : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها ".
وغلطة أبو إسحاقَ - في هذا - وقال : مِثْل الشيء : ما ساواه، ومثلاه [ما ساواه] مرتين.
قال ابن كَيْسان : الذي أوقع الفراء في ذلك أن الكفار كانوا - يوم بدر - ثلاثة أمثالِ المؤمنين فتوهَّم أنه لا يجوز أن يروهم إلا على عدتهم، والمعنى ليس عليه، وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين : إحداهما : أنه رأى الصلاح في ذلك ؛ لأن المؤمنين تقوى قلوبُهم بذلك.
والأخرى : أنه آية للنبي صلى الله عليه وسلم.
والجملة - على قراءة نافع - يحتمل أن تكون مستأنفةً، لا محل لها من الإعراب، ويحتمل أن يكون لها محل، وفيه - حينئذ - وجهانِ : أحدهما : النصب على الحال من الكاف في " لَكُم " أي : قد كان لكم حال كونكم ترونهم.
والثاني : الجر ؛ نعتاً لـ " فِئَتَيْنِ " ؛ لأن فيها ضميراً يرجع عليهما، قاله أبو البقاء وأما على قراءة الغيبة فيحتمل الاستئناف، ويحتمل الرفع ؛ صفة لإحدى الفئتين، ويحتمل الجر ؛ صفة لـ " فِئَتَيْنِ " أيضاً، على أن تكون الواو في " يَرَوْنَهُمْ " ترجع إلى اليهود ؛ لأن في الجملة ضميراً يعود على الفئتين.
وقرأ ابن عباس وطلحة " تُرَوْنَهُمْ " - مبنياً للمفعول على الخطاب - والسُّلَميّ كذلك إلا أنه بالغيبة وهما واضحتان مما تقدم تقريره والفاعل المحذوف هو الله تعالى
٦٥