ومعلوم أن نفى الماهية أولى وأقوى من إثبات التوحيد فى نفى الوجود، فثبت أن إجراء الكلام على ظاهرة أولى.
فإن قيل : إن نفى الماهية غير معقول، فإنك إذا قلت : السواد ليس بسواد، كنت قد حكمت بأن السواد انقلب إلى نقيضه، وصيرورة الشئ عين نقيضه غير معقول. أما إذا قلت : السواد غير موجود كان هذا كلاماً غير معقول، فلهذا السبب أضمرنا فيه هذه الضمائر.
فالجواب : أن قولكم نفى الماهية غير معقول باطل. فإنك إذا قلت : السواد ليس بموجود فقد نفيت الوجود، لكن الوجود من حيث هو وجود ماهية، فإذا نفيت الماهية المسماة بالوجود، وإذا كان ذلك صار نفى الماهية أمر معقول، وإذا عقل ذلك فلم لا يجوز إجراء هذه الكلمة على ظاهرها، فإنك إذا قلت : السواد ليس بموجود
فإنك ما نفيت الماهية، وما نفيت الوجود أيضاً، وإنما نفيت موصوفية الماهية بالوجود، فتقول : موصوفية الماهية بالوجود، هل هى أمر مغاير للماهية وللوجود أم لا.
فإن كانت مغايرة لهما كانت تلك المغايرة ماهية، فكأن قولنا : السواد ليس بموجود نفيا لتلك الاهية المسماة بالموصوفية، ويعود الكلام المذكور.
وأما إن قلنا : أن موصوفية الماهية بالوجود ليست أمراً مغايراً للماهية وللوجود امتنع توجيه النفى إليها، وإذا امتنع ذلك بقى النفى متوجهاً
إما إلى أى ماهية، وإما إلى الوجود، وحتى يحصل غرضنا من أن الماهية يمكن نفيها، وإذا كان الأمر كذلك صح قولنا : لا إله إلا الله حقاً وصدقاً من غير إضمار.
* * *
البحث الثانى :
قال النحويون : قولنا لا إله إلا الله ارتفع لأنه بدل من موضع لا مع الاسم.
وبيانه : أنك إذا قلت : ما جاءنى رجل إلا زيد، فزيد مرفوع بالبدلية، لأن البدل هو الإعراض عن الأول، والأخذ بالثانى، فصار التقدير :