يحتمل أن يكون عائداً إلى الحكم بذلك العدم، ويحتمل أن يكون عائداً إلى نفس ذلك العدم.
فإذا كان عائداً إلى الحكم بالعدم، لم يلزم تحقق الثبوت، لأن سبب الاستثناء يزول بالحكم بالعدم، وعند زوال الحكم بالعدم يبقى المستثنى مسكوتاً عنه، غير محكوم عليه لا بالنفى ولا بالإثبات، وحينئذا لا يلزم الثبوت.
أما إن كان تأثير الاستثناء فى صرف العدم ومنعه، فحينئذ يلزم تحقيق الثبوت. لأنه لما أرتفع العدم وجب حصول الوجود، ضرورة أنه لا واسطة بين النقيضين.
وإذا ثبت هذا فنقول : عود الإستثناء إلى الحكم بالعدم أولى من عوده إلى نفس العدم، وهذا يدل عليه وجهان :
الأول : أن الألفاظ وضعت داله على الاحكام الذهنية، لا على الموجودات الخارجيه، فإنك إذا قلت العالم قديم، فهذا يدل على كون العالم قديماً فى نفسه، ولكن إذا قلنا : العالم حادث لزم كون العالم قديماً وحادث، وذلك محال، بل هذا الكلام يدل على حكمك بقدم العالم، وإذا كانت الالفاظ دلة على الاحكام الذهنيه لا على الموجودات الخارجية كان صرف ذلك الاستثناء إلى الحكم بالعدم أولى من صرفه إلى نفس ذلك العدم.
والوجة الثانى فى بيان عود الاستثناء إلى الحكم بالعدم أولى من عوده إلى نفس ذلك العدم، وذلك لأن عدم الشئ فى نفسه ووجوده لا يقبل تصرف هذا القائل، بل القابل لتصرفه هو حكمه بذلك الوجود والعدم، وإذا كان كذلك كان عود الاستثناء إلى الحكم أولى من عوده إلى المحكوم به.
الحجة الثانية : فى بيان كون الاستثناء من النفى ليس بإثبات هو أنه جاء فى الحديث والعرف صور كثيرة للإستثناء مع إنه لا يقتضى الثبوت ؛
قال عليه السلام :"لا نكاح إلى بولى ". و "لا صلاة إلا بطهور ".
ويقال فى العرف : لا عز إلا بمال، ولا مال إلا بالرجال. ومرادهم من الكل مجرد الإشتراط.
أقصى ما فى الباب أن يقال : قد ورد هذا فى اللفظ فى صورة أخرى، وكان المراد أن يكون المستثنى من النفى إثباتاً، لأنا نقول : أنه لا بد وأن يكون مجازاً فى إحدى الصورتين، إلا أن نقول : إذا قلنا : إنه لايقتضى أن يكون الخارج من النفى إثباتاً، بحيث أفاد ذلك، احتمل أن تكون تلك الزيادة مستفادة من دليل آخر، ولا يكون ذلك تركاً لما دل اللفظ عليه