فإن قلنا : إنه يقتضى أن يكون الخارج من النفى إثباتاً بحيث لا يفيد ذلك، لزمنا ترك العمل بما يكون اللفظ دليلا عليه، ومعلوم أن الأول أولى، لأن إثبات الأمر الزائد بدليل زائد ليس فى مخالفة الدليل، أما ترك ما دليل عليه يكون مخالف لدليل فثبت بما ذكرنا أن الإستثناء من النفى لا يكون إثباتاً. فإذا ثبت هذا كان قولنا لا إله إلا الله تصريحاً بنفى سائر الآلهة، ولا يكون إعترافاً بوجود الله.
وإذا كان كذلك لم يكن مجرد هذا القول كافياً فى صحة الإيمان.
وهاهنا إشكال آخر، وهو إننا قد دللنا على أن إلا بمعنى غير فى هذا الموضوع، وإذا كان كذلك كان قولنا لا إله إلا الله معناه : لا إله غير الله. فيصير المعنى نفى إله يغاير الله، ولا يلزم من نفى ما يغاير الشئ إثبات هذا. وحينئذ يعود الإشكال.
والجواب من وجهين :
الأول : أن إثبات لا الإله سبحانه كان متفقاً عليه بين سائر العقلاء بدليل قوله :(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ).
فكان ذلك مفروغا عنه، متفقاً عليه، الإ أنهم كانوا يثبتون الشركاء والأنداد ؛ فكان المقصود من هذه الكلمة نفى الأضرار والأنداد، فأما القول بإثبات الإله للعالم فذلك من لوازم العقول..
الثانى : إذا سلمنا أن هذه الكلة كما دلت على نفى سائر إلآله دلت على إثبات إلهيه الله تعالى إلا إنا نقول : هذه الدلاله تكون حاصلة بوضع الشرع لا بمفهوم أصل اللغة. فهذا تمام القول فى هذا المقام.
* * *
البحث الخامس :
أعلم أنه يجوز أن يقال : لا رجل فى الدار، وأن يقال : لا رجل إلا فى الدار. أما على الوجه الأول فإنه يوجب نفى الرجال بالكلية والدليل عليه أن قولنا :
لا رجل يقتضى نفى ماهية الرجل، ونفى الماهية يقتضى إنتقاء كل أفراد الماهية لأنه لو ثبت فرد من أفراد الماهية لثبتت الماهية ضرورة أنه متى ثبت فرد من أفراد الماهية فقد ثبتت الماهية لا محالة.


الصفحة التالية
Icon