وإذا ما نظرنا فى مطلع سورة (البقرة) ألفينا أنَّه مجموع ما انتظم به تمام الدلالة على أم المعنى القرآنى فى السورة، ففى هذا المطلع ثلاثة مرتكزات: (الكتاب- المتقين - الإيمان بالغيب وما بعده) الثانى والثالث (المتقين - الإيمان بالغيب) من الأول (الكتاب)، ولذلك جاءت العبارة عنه فى قوله- سبحانه وتعالى - ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ فى غاية الإيجاز لمعنى جدّ مديد بسيط لا يُحاط به، ولأهل العلم من المفسرين والبلاغين مقالات فى بيان التعريف فى (ذلك الكتاب) وفى النفى فى قوله ﴿لا ريب فيه﴾ ثُمَّ فى ما تعلق بقوله (هدى) فإن قوله (للمتقين) أي المتقين صراط المغضوب عليهم من اليهود، ومن اتخذ منهاجهم في نبذ الحقّ بعد علمه تكبّرًا وجحدًا، وصراط الضَّالين من النصاري ومن اتخذ منهاجهم في العبادة على جهل بما يعبد وكيفية العبادة التي ترضيه وهذا المعنى أساس الإيمان وما يبنى عليه من منازل الطاعة والقرب. (١)
وقد شاع فى هذه السورة الحديث عن شيئين بهما تأطيد معنى كمال ذلك الكتاب:
- الأول: الإيمان بالغيب

(١) - ذلك ما أذهبُ إليه من تقييد قوله (المتقين) بمعمول مفهوم من ختام سورة الفاتحة، والتقوى هنا ليست هي التقوى في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: ١٣٣) والتي جاء في البيان النبويّ كشفُ حقيقتها ومبدأ أمرها بقوله - ﷺ - {لايبلغ العبدأن يكون َ مِنَ المتّقِين حتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ البَأسُ﴾ (رواه ابن ماجه: كتاب الزهد – باب: الورع والتقوى – حديث: ٤٢١٥) فهذاالمتقى يدع سبعين بابا من الحلال مخافة الوقوع فى شئ من الحرام التي هي منزل أعلى من منزل الإيمان.
وهذا من تلاحظ المعنى في مطلع سورة البقرة ومختتم سورة الفاتحة.


الصفحة التالية
Icon