وغير خفى أن الحديث عن المعنى القرآنيّ لا يقصد إلى معانى كلمات القرآن الكريم فى حقلها المعجمى ووجودها الإفراديّ ذلك " أن الألفاظ المفردة التى هى أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها فى أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينهما من فوائد " (١)
ومن ثَمَّ فإنَّا إلى المعني المَنْسُولِ من أوضاع الكلمات التى تحدث بالتأليف والتركيب والبناء وهذه الأحكام وتلك المعانى هى التى كان بها الهدى، وكان بها المنهج الذى عليه تقوم الأمة المسلمة.
وفى سعينا إلى تبيان معنى (المعنى القرآنى) علينا أن نتذكر أنَّ الدلالة المعجمية لكلمة (عنى) ذات بُعْدَين رئيسين:
بُعْدُ القصد والاهتمام ِ، وبُعْدُ الظّهورِ
الذى يرجع إلى المتكلم إنَّما هو بُعْدُ القصد والاهتمام أمَّا بُعْدُ الظهور فإنَّما يرجع إلى الكلام نفسِه من وجه وإلى المخاطَبِ به من وجهٍ آخر.
البعْدُ الأول: (القصد) ليس لنا أن نزعم في تدبر البيان القرآني سعيًا إلى إدراك المعنى القرآني أنّنا نملكُ القطع بتحريره وتحقيقه من بيانه القرآنىّ، فإنَّ ما تفهمه الأمَّة من كلامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس هو عين مراده من كلامه الموحى إلى نبيه - ﷺ - ذلك أن القطع بأن ذلك المعنى من هذه الآية مثلا هو عين مراد الله - عز وجل - منها إنما يكون بطريق توقيفى صحيح الإسناد إلى رسول الله - ﷺ - (٢)
ولا يستطيع متلقٍ بيانَ القرآن الكريم الزعمَ يتطابق إدراكه مع مراد الله تعالى لأنَّ القول بهذا فيه جرأة على الله - جل جلاله -
؟ المعنى القرآنيّ ضربان:
(٢) الزركشي: البرهان في علوم القرآن – ت: محمد أبو الفضل: ١/١٦