وكلُّ أنحاء التدبر للسورة المفتقرة إلى منهج التحليل البيانى للسورة عاجزة عن تحقيق هذين الأمرين معاً مما يحقق لتلك الأنحاء عجزاً أو تقصيراً فى النصيحة لكتاب الله - عز وجل -، فإنّ رسالة المتدبر ليست مقصورة على إستكشاف المضمون التشريعيّ التثقيفى بل ذلك فريضة استنبات القناعة والرضا القلبي بذلك المضمون ثم استثماره فى توليد الطاقة الإنجازية لذلك المضمون، فلا قيمة لاستكشاف معالم التشريع والتثقيف بل هى له مجموعاً إليه استيلادُ دوافع الإنجاز والإتقان.
وإذا ما عجز التحليل البيانى للسورة عن استيلاد دوافع الانجاز والإتقان فى نفس المتلقي، فانَّ مردَّ ذلك إلى نقص فى تناول عناصر السورة بالتحليل أو إلى خلل فى تصور معالم ذلك التحليل أو فى توظيف ذلك التصور توظيفاً متلائماً مع شخصية السورة التى هى مناط التحليل، فإنَّ منهاج التوظيف لتلك المعالم تختلف من سورة إلى أخرى، ولا مسوغ البتة إلى إسقاط ما يصلح لسورة ما على سائر السور الأخرى، لما بينها من تغاير مضموني وبنائي يرمى فى سياق كليّ إلى غاية واحدة.
ليس التحليل البيانى للسورة إلاَّ قراءة إنتاجية فاحصة كلَّ عناصرها فحصاً كاشفاً عن قيمة كلِّ عنصر وعلاقته فى تشكيل الوجود الدلاليّ للسورة مثلما كان له قيمة فى تشكيل وجودها اللغوى المقروء أو المسموع.
هذه القراءة يجتاز بها صاحبها مرحلة تحويل المسطور على وجه صحيفة إلى مسموع مَنْغُوم فى أذن سامع، فذلك معنى عام للقراءة يشارك فيه الدهماء أهل العلم.