وإذا ما كان نقدة الأدب يذهبون إلى أنَّ أولى قواعد المنهج العلمى هى أن تخضع نفوسنا لموضوع دراستنا لكى تنظم وسائل المعرفة وفقاً لطبيعة الشىء الذى نريد معرفته وأنَّنا نكون أكثر تمشياً مع الروح العلمية بإقرارنا بوجود التأثيرية فى دراستنا شريطة أن تخضع هذه التأثيرية للضبط والمراجعة - إذا كان هذا فإن الأمرَ مهمٌّ فى التحليل البيانيّ للسورة لأن إخضاع نفوسنا لها سوف يفجر فينا طاقة معرفية ذوقية تدرك ما لا تمكن العبارة عنه، لكنَّه يؤثر تأثيراً نافذاً فى شتى المجالات التى تمكن العبارة عنها، فالذَّوق الذى هو دعامة أساسية من دعائم التحليل البياني هو الذوق المتحدر من عدة روافد موضوعية يمكن اكتسابها بالمدارسة والدُّربَة، ومن ذاتية شخصيته تكتسب من سلوك إيمانى ناصح والتزام حركى خالص.
وإذا ما كان من جوهر الأخذ بالذوق الذاتي الرشيد بالثقافة والسلوك الحركيّ أن يكون معللاً فانّه مما لا يخفى أنَّه ليس بلازم أن يكون ذلك التعليل موضوعياً جلياً فى كل أمر.
المهم أن يقوم المنهاج على ثلاثة:
التحليل
والتأويل
والتعليل
وهذه المرتكزات ليست مما استحدثه التفكير البياني والنقدي بل ذلك أمرٌ قد حثَّ عليه وأكّده الأسلاف في أسفارهم:
تراه جليًا عند "عبد القاهر الجرجانيّ" في فواتح (دلائل الإعجاز) :
‹‹ لا يكفي في علم الفصاحة أن تنصب لها قياسا وأن تصفها وصفا مجملا وتقول فيها قولا مرسلا، بل لا تكون من معرفتها في شيء حتى تفصّل القول، وتحصّل، وتضع اليد على الخصائص التي تعرض في نظم الكلم، وتعدَّها واحدة واحدة وتسميها شيئا شيئا وتكون معرفتك معرفة الصنع الحاذق الذي يعلم علم كل خيط من الأبريسم الذي في الديباج وكل قطعة من القطع المنجورة في الباب المقطع وكل آجرة من الآجر الذي في البناء البديع ›› (١)

(١) - دلائل الإعجاز- تح: شاكر ص ٣٧


الصفحة التالية
Icon