إن شككت فتأمل هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت لأدَّت من الفصاحة ما تؤدِّيه، وهي في مكانها من الآية قل ‹‹ابلعي›› واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها وكذلك فاعتبر سائر ما يليها.
وكيف بالشك في ذلك ومعلوم أنَّ مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض ثم أمرت ثم في أن كان النداء بـ " يا " دون " أي " نحو يا أيتها الأرض، ثم إضافة "الماء" إلى " الكاف" دون أن يقال: ابلعي الماء، ثم أن أتبع نداء الأرض، وأمرها بما هو من شأنها، ونداء السماء، وأمرها كذلك بما يخصها، ثُمَّ أن قيل:" وغيض الماء "، فجاء الفعل على صيغة " فُعِلَ " الدالة على أنه لم يغض إلا بأمر آمر وقدرة قادر، ثُمَّ تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى:" قضي الأمر"، ثُمَّ ذكرماهو فائدة هذه الأموروهو " استوت على الجودي "، ثم إضمار السفينة قبل الذكر، كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثُم مقابلة قيل في الخاتمة بـ" قيل " في الفاتحة
أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة، وتحضرك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق، أم كلّ ذلك لمَّا بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب ›› (١)
هو في صنيعه هذا كمن يعلمك كيف تصطاد، فلا تفتقر إلى غير جهدك من العباد.
وتراه يبينه لك في غير البيان القرآني حتّى لا تظنّ أن ذلك فريضة في تدبر القرآن الكريم، وليس فريضة في تذوق الشعر، يقول: