ويمكننا أن نقول إنّ مجال التدبر يتنوع، فقد يكون مجالا موضوعيًّا بأن يجمع المتدبّر الآيات الدَّالة على غرض معين كغرض الجهاد أو التعاون على البرّ، او النهي عن المنكر، فيجمع تلك الآيات ويتخذ له منهاج ترتيب وتصنيف وفقًا لما قد يصطفي، ويبحث عن مناهج التصوير التي اتخذها القرآن الكريم في تصوير ذلك المعنى وفي إيصال ذلك الغرض والمقصد إلى القلب في أحسن صُورة من اللفظ كما يقول الرمَّانيّ.
وقد يكون مجالا أسلوبيًّا كأن يتخذ أسلوب التشيبيه في القرآن كله أو في سورة من السّورأوموضوع من الموضوعات، فيجمع الآيات التي بنيت على التشبيه لينظر في الأغراض والمقاصدالتي استخدم التشبيه لتصويرها.
وقد يكون مجالا سياقيًا كأن يجعل مجال بحثه عن المعنى القرآني هو سياق ترتيل سورة ما باعتبار أن وحدة التحدي هي السورة
فِي سياقِ التِّلاوَةِ نرى أربع دوائر يحيط بعضها ببعض وفقا لاتساع كلّ دائرة، فكلُّ دائرة منها هي أقل اتساعًا تقوم في رحم الدائرة الأوسع.
تلك الدوائر هي دائرة الآية، فالمَعْقِدِ، فالسّورة ِ، فالقرآنِ الكريمِ، ويُمْكِنُكَ أن تقول هي خمس دوائر بجعلك الجملة دائرة تحيط بها دائرة الآية، تحيط بها دائرة المعْقِد، تحيط بها دائرة السورة، تحيط بجميع الدوائر دائرةُ السياقِ القرآنِيِّ الكريمِ
المعنى القرآني المُجْتَنَى منْ تَدَبُّرِ الجملة في سياق الآية يغلب عليه أنّه معنى قريب، وبرغمٍ من قُرْبِه هو معْنًى كريمٌ وَمُهمٌ، بل هو متعلِّقٌ بما يُعدّ أساسَ المعانِي التي تُنْسَلُ منه فهو أصل المعنى الجمهوريّ للنصّ، ويمكن لمن يكتفي بمثل ذلك الزاد أن يبصر الطريق به إلى مرضاة ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخذًا وتركًا في حركة حياته، وهذا من تيسير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىعلى عباده الذين ليس لهم قدَمٌ في طلب العلم بالكتاب والسنة