فهو لا يمزق النَّص ويجعله أشلاء، ثم يلقى بها، بل هو يحلل النَّصَّ إلى عناصره؛ ليفحص خصائص هذه العناصر وسماتها، وليفحص ما ببينهما من علائق ووشائج تحقق لها التعاون والتكافل فى إقامة النَّصَّ وإكتماله، فالتحليل البيانيّ لا يتوقف عند تجزئة النص وتفكيكه بل ينتهى إلى إعادة جميع العناصر بعد فحصها إلى مواقعها ليقوم النَّصُّ مشرقاً من بعد أن استكشف التحليل خصائصه فى عناصره وفى بنيته الكليَّة، ولهذا لا يحسن فى التحليل البيانى أن يقوم على النظر فى مسائل أسلوب ما مجموعة من واقعها فى النص معزولة عن سياقها، بل الأجدى أن يعتمد التحليل على النظر فى آيات كل معقد مجتمعة ليحلِّل كلَّ عنصر وتركيب وأسلوب فى سياق ذلك المعقد ثم فى خاتمة كل فصل تصنف الأساليب والخصائص التي إشتمل عليها ذلك المعقد دون أن نجعل تصنيف البلاغيين أساليب البيان فى علومه الثلاثة: معانى وبيان وبديع هى أساس التحليل والتصنيف ذلك أن صنيع علمائنا البلاغيين كان معنياً بالجانب التربوى فى ذلك التصنيف تقريباً لذلك العلم إلى طلابه، ولم يكن تصنيفاً يفصل بين الأساليب وفقاً لخصائص بيانية لذلك تراهم يحرصون على التصريح بأن علم المعانى كالجزء من علم البيان، فإنَّ كلَّ مسألة من مسائل علم البيان هى قائمة على مسائل علم المعانى، كما أن كل مسألة من مسائل علم المعاني تقوم بالتصوير، وكذلك تستطيع أن ترجع مسائل علم البديع إلى علم المعانى وعلم البيان، ذلك أنَّها قائمة على النظم أيضا الذى هو المحيط بعلم المعانى وهو فى الوقت نفسه عمود علم البلاغة كلّها، وعلم البلاغة كلُّه هو علم التصوير بالكلمة.
ولذلك ترى حرص عبد القاهر على التصريح بعلاقة الاستعارة وهى رأس التصوير البيانى أو سنامه بالنظم وأنها لم يتحقق لها الحسن معزولة عن النظم. وكذلك حرصه على التصريح بعلاقة الجناس والسجع والطباق وهى سنام البديع بالنظم.


الصفحة التالية
Icon