كلّ مجال منها يُقريك تدبُّرُه زادًا إلى تدبّرِ ما بعده من المجالات المتصاعدة، بل إنك لتجد نفسك - وقد حسبت أنك قد فرغت - تملك من الزَّاد ما يُغريك بأن تكونَ الحالّ المرتحل في تدبُّرك وتذوقك، فإذا بك وقد أردت أن تحط الرحال، تسرج الجياد إلى ما بدأت به، فتستأنف التدبر والتذوق فإذا سُبُحات العطاء تتوافد وتترادف على قلبك.
وتلك َمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواعلى المجاهدة في التحليل والتَّدبُّر والتَّذوِّق وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الطَّبْعِ والعِلْمِ والتقْوى.
ومجالات التحليل البيانيّ للسورة القرآنية إذا ما شئنا حركة من الأدنَى إلى الأعلى، والجزئي إلى الكلّى تبدأ بتحليل المفردات في سياقها التركيبي، ثُمَّ تحليل الهيئة التركيبية للبيان، ثُمَّ الصورة البيانية، ثُمَّ فنون التوقيع والتغنّي التي بإتقانها يتحقق لصاحب القرآن الكريم شيءٌ من فضيلة تحسينه القرآن الكريم بترتيله في قلوب المتلقين، وذلك وجه من وجوه النَّصيحة للقرآن الكريم ولعامة المسلمين وخاصتهم.
***
- أولاً: التحليل البيانيّ للمفردات
وكنت قد حدثتك عن المعجم اللغوي للسورة، وأثره في تحقيق وتحرير مقصود السورة التي أنت بصدد تدبُّرها، فإنَّ «أوّل ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيلُ معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كنحصيل اللبِنِ في كونه أوّل المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه... " (١)