وقد رأيت " عبد القاهر " يهديك إلى شيْءٍ من هذا، وهو يلفت بصرك إلى تدبر قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ....﴾ (هود: من الآية٤٤) وكان يوقفك لتنظر في مادة الكلمة وصيغتها وموقعها وعلائقها بأخواتها....
وغير خفى إنَّه إذا ما كانت الكلمات القرآنية هى كلمات العربيّة من قبل تنزل القرآن الكريم، فلم يبدع كلمات لم تعرفها العرب، فانَّ بلاغة القرآن الكريم ليست فى إنَّه جاء بما لا تعرف العرب من كلمات بل بلاغته فى أنه نسج بيانه من كلمات تقاذفتها ألسنة العرب من قبل، وبرغم من هذا كان البيان القرآنيّ بما اصطفاه من مفردات المعجم العربيّ ونسجه لها معجزاً حتّى إنك لو شئت أن تقيم كلمة غير قرآنية مقام كلمة قرآنية بينهما تآخ في المعنى والأداء لتبين لك فرق ما بينهما وفضل ما جاء في البيان القرآنِيّ على ما اجتهدت في اصطفائه من المعجم العربي على اتساعه.
يقول " أبو محمد ابن عطية الأندلسي " (ت: ٥٤٦هـ) :...
" كتابُ اللهِ لو نزعت منه لفظةٌ، ثُمَّ أُديرَ لسان العربِ فِي أن يوجد أحسن منها لم يوجد " (١)
وكان من قبله قد أعلمك " عبد القاهر " أنَّ العرب في عصر المبعث المحمّديّ قد فتشوا القرآن الكريم تفتيشًا مدققًا فما وجدوا فيه كلمةً غيرُها يعدلها فضلا عن أن يفضلها: