«أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه وخصائص صادفوها في سياق لفظه وبدائع راعتهم من مبادىء آيه ومقاطعها ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كلِّ مثلٍ ومساق كلِّ خبرٍ وصورة كلِّ عِظةٍ وتنبيه وإعلام وتذكيرٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، ومع كلِّ حجة وبرهان وصفة وتبيان، وبهرهم أنَّهم تأمَّلوه سورة سورة، وعُشْرا عشرا، وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها ولفظة ينكر شأنها أو يرى أن غيرها أصلح هناك أو أشبه أو أحرى وأخلق بل وجدوا اتساقا بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظاما، والتئاما، وإتقانا، وإحكاما لم يدع في نفس بليغ منهم ولو حك بيافوخه السماء موضع طمع حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول وخلدت القروم فلم تملك أن تصول» (١)
ومن قبل ذلك بقرن من الزمان قال "أبو سليمان الخطابيّ" إن حسن اختيار الكلمات من عمود بلاغة الخطاب عامة، فكيف بذلك في بلاغة القرآن الكريم: «.. اعلم أنَّ عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كلّ نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخصّ الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه إمَّا تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإمَّا ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة " (٢)
تأمل قوله: " إذا أبدل منها.... إلخ " تدرك أثر اختيار المفردات من حيث هي مادة أو صيغة في المعنى، فقد يفسد المعنى العقلي، وقد يفسد المعنى البياني الذي عبر عنه بذهاب الرونق.
(٢) - الخطابي: بيان إعجاز القرآن: ص ٢٩ – ضمن: ثلاث رسائل في إعجاز القرآن – تح: محمد خلف الله وزغلول سلام – دار المعرف بمصر: ١٣٨٧