فيحسن بالقائم بالتحليل البياني للسورة أن يعنى بكثير من وجوه كلمات القرآن الكريم، فإنّه سوف يبدوله من تلك الوجوه ضروبًا من التناسق المبهر هو جدير بأن يكون مناط عناية البلاغيين في درسهم وبحثهم.
وقد بين لنا "سيد قطب" (ت ١٢٨٦) نماذج قرآنية رسمت كلمات منها صوراً مشخصة أمَّا بجرسها الذى تلقيه فى الأذن أو بظلها الذى يلقيه فى الخيال أو بالجرس والظل معاً. والمثابرة والمصابرة على تدبر ذلك وتذوق تحليل أهل العلم معين على اكتساب مزيد من الحنكة والخبرة.
فالنظر فى الكلمات القرآنية من وجوهما المختلفة وعلاقة تلك الوجوه بالسياق الجزئى الذى تنسج فيه وبالسياق العام للسورة كلها ثم علاقتها بالسياق القرآنى كله لأمر جد عظيم فى حاجته إلى مجاهدة علمية وروحية وجد عظيم فى عطائه.
ينظر صاحب التحليل البيانى إلى مادة الكلمة لقرآنية والعطاء الدلالى لتلك المادة فى سياقها من نحو أن ينظر كيف أن القرآنَّ الكريم ذكر كلمة (إبليس) فى سياق الامتناع عن السجود، ولم يذكر كلمة (شيطان) في هذا السياق، وكذلك لم يذكر كلمة (إبليس) فى سياق أغواء أدم وحواء بل ذكر كلمة (شيطان) على الرغم من أنهما اسمان لذات واحدة.
وكيف أنه عبر بكلمة (قرية) فى قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ (الكهف: ٧٧)