لا ريب فى أن مفردات أى لغة لم توضع لتعرف معانيها فى أنفسها بل لأن ينسق بعضها مع بعض، فيتولد من ذلك النسق معنى يؤدى به الغرض ويصور به الحال، وأدْنَى صورذلك النسق المحقق ذلك المعنى المُؤَدَّى المُصَوَّر إنما يسمى (جملة) من أن الجَمْلَ هو الجَمْعُ (١)
وهو فى صناعة الكلام جمع للكلم على نحو خاص، وليس مجرد ضم.
وكل لغة لها نهجها ونحوها فى نسق كَلِمِها فى جمل وعبارات تصوّر ما هو مكنون فى الصدور من دقائق الفكر ورقائق الشعور..
وهذا التنسيق الجُملى بين الكَلِم يتأثر بصانعه تأثراً جد عظيم أكثر من تأثره بمواضعات التنسيق الكلية فى كلّ لغة، فسلطان النَّاسق الناظم أعظم من سلطان الأصول الكلية للتنسيق، لأنَّ تلك الأصول ما هى إلا متناثرة هادية يُسترشد بنورها ولا يخضع لسلطانها أو يتعبد باتباعها.

(١) - تقول العرب: أجمَل الشيءَ: جمعه عن تفرق، والجملة: جماعة كلّ شيءٍ بكماله من الحساب وغيره، وأجملت الحساب: جمعتُ آحاده وكملت أفراده، والجُمُل بضم أوله وثانية: الجماعة من الناس، والجامِل: القطيع من الإبل معها رعيانها وأربابها، والجامِلُ أيضًا: الحيّ العظيم، والجميل: ما استجمل أصول الحسن المعنوي أو الحسيّ. فأنت تلحظ علاقة بين المل والجمع، اتفقا في الأصل من اتفاقهما في فاء الكلمة وعينها، وافترق كل بشيءٍ، فالجمل ليس مطلق الجمع بل هو كمع على سبيل الكمال. فتسمية العرب مجموع الكلمات التي يتولد من اجتمعا معنى جملة فيه دلالة على أنَّه ليس مطلف جمع، وإلا كانت اولى بأنْ تسمى (جمْعة) وليس جملة، وكأنهم يستحضرون باختيار كلمة جملة معنى الكمال والحسن في جمعها المفردات.


الصفحة التالية
Icon