والجملة أصغر الإنساق الدالة على معنى مكنون ولذلك قلَّما يكون خطاب أو حوار أو بيان تقوم به جمل تواردت دون أن يبنى منها عبارة أوتنسق منها فقرة مما يجعل الجملة فى سياق التخاطب كمثل الكلمة فى بناء الجملة... وإذا كان القرآن الكريم قد بنى سوره من آيات، فإنَّ بناء الآية لا يخضع ابتداء وانتهاء إلى معيار موضوعى من ظاهر المعنى أو التركيب أو النسق الصوتى بل من وراء ذلك أمرٌ قد تعجز عقولنا عن وعيه أو عباراتنا عن بيانه فانظر فى قول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الشعراء/٩٢-٩٨).
﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ (الصافات: ١٤١-١٥٢)
﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأثِيمِ﴾ (الدخان: ٤٣ -٤٤)
﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى *عَبْداً إِذَا صَلَّى﴾ (العلق: ٩-١٠)
وغير ذلك جدُّ كثير فى القرآن الكريم،
أنت لا تراه قائماً على معيار من تمام معنى أو اتساق تركيب وعلى هذا لا يحسن إتخاذ الآية إطاراً لتحليل التراكيب، بل الأقرب إتخاذ الجملة، ثم العبارة ذات الجمل المنسوقة على نهج يحقق للمعنى تمامه.
والتحليل البيانى لتراكيب العبارة القرآنية القائمة بتمام المعنى يعمد أول ما يعمد إلى تحليل ما يحقق لبلاغةِ العبارة عمودها، ثُمَّ يَعْمَدُ من بعده الى يحقِّقُ لَهَا تَمامَها:
عمود بلاغة الكلام إنَّما هو فى نظم العبارة من الكلم على وفق مناهج نحو العربية.
يقول الامام "عبد القاهر" كاشفاً عن عمود البلاغة وما يكون منه:


الصفحة التالية
Icon